خزامى رشيد خزامى رشيد

يا حبُّ.. لا هدفٌ لنا إلا الهزيمة في حروبكَ

أكانت «لاعب النرد» آخر الكلمات.. آخر الوصايا.. و آخر شياطين الشعر؟ أكانت لعبتك الحياة ونردك الشعر؟ أكانت كلماتك الأخيرة، أوجاع التجربة في  قصيدة؟ عند انتهائي من قراءة القصيدة صمتُ، وتلاشت الكلمات في مخيلتي، أنا التي ما إن قرأت قصيدة لدرويش إلا وهدستُ بها في مناماتي،لم أهدس في منامي ككلّ مرة، بل  نسيت كل مفردة عجنتها روحي، وحاولت بصعوبة استرجاع محطة واحدة من جمرها الشعري لماذا لم أتذكر شيئا؟ 

السؤال الذي سألته لنفسي: هل أصابتني القصيدة بموجز ظل  الحياة؟ «ما الحياة إلا ظل يمشي» صدقت  مقولتك شكسبير.. هل كنت تقصد كتابة  موجز تجربتك الشعرية، موجز تجربتك الحياة موجز الجمال، والياسمين وأسراب الحمام حين يحط على كفة الجمال فتفرض شروط  الانتصار على كفة القبح في هذا الكون ، كفتان تتأرجحان في كوكب يسمى الأرض، كفة للحروب  للقتل للخبث   والكذب مقابل كفة للجمال والياسمين الحمام والشعر. اليوم   بعد رحيل مطرز نثر  «أعدي لي الأرض كي أستريح»، استراح ملكوت الشعر وشيطانه، فغادرت أسراب الحمائم إلى  فضاء الكون ومالت كفة الجمال، هوت  في بئر سحيق المفردات والأماني بحلم  يفترض  الحب شعارا للحياة، شعارا للمرحلة بعد أن  أتعبتنا وأنهكتنا المراحل..  فلسطين التي أنجبتك لتخلدها شعراً ومعاني بكت رحيلك  بكاء مرا، فلسطين التي انتحبت نكبتها في الـ(48)، ستنتحب  نكبتها الجديدة في(2008)، مالك يا رقم (8) تكرر الوجع فينا، وتبقينا أحياء بغياب درويش، من ذا  سيبرق الوزن، ليهزم الموت، ليهزم مرور الوقت   في الوقت، من ذا سيصدح  فكرة لفك  ألغاز عشق  الشهداء  لأوطانهم، من ذا سيودع الغائبين القدامى والجدد في خريطة البلاد العربية ودروب فلسطين، من ذا سيأنف عن ذكر أحجيات عبث الماضي والحاضر  بقلوب الأمهات، من ذا سيكتشف جمال العذارى، وعمر الثلاثينيات، من ذا سيبتلع  انقسامات العلم الفلسطيني ليصوغ شعرا  وطنيا واحدا، من ذا سيعلن  حرية فلسطين  في الزمن القادم ، من ذا سيلعن تقصير الأجداد  وصناع السياسة عن ضياع عكا ، من سيعلن قوة المعنى في تحدي الموت ؟؟؟

انتصرت مرارا ولكن موتك صار حقيقة  أنبأتنا بها أمريكا وهي  التي رفضت مجيئك إليها أعواماً، عادت فاستقبلت لتزف إلينا نبأ موتك الخنجر.؟

 طعننا النبأ ، ونزف وريداً  لدمشق  التي كتبتها بوريد  دمك:«أيّها المستحيل يسمونك الشام/ أفتح جرحي لتبتدىء الشمس/ ‏هذا طريق الشام.. و هذا هديل الحمام/ ‏وهذا أنا.. هذه جثتي ‏». انتحلت صفة المسيح فكتبت بشرايين روحك أعصابك ، نثر  ورد الكلام عن المدن المفعمة بعطر الذاكرة .

سترثيك المراثي، وتعتب منك سيدة الأرض فلسطين، لغيابك المفاجئ عنها، في أرض غريبة

سترثيك بيروت التي لم يهدأ تعبهاللآن: «بيروت من تعب ومن ذهب، وأندلس وشام/  فضّة، زبد، وصايا الأرض في ريش الحمام/ وفاة سنبلة، تشرّد نجمة بيني وبين حبيبتي بيروت/لم أسمع دمي من قبل ينطق باسم عاشقة تنام على دمي... و تنام/ من مطر على البحر اكتشفنا الاسم، من طعم الخريف وبرتقال/ القادمين من الجنوب، كأنّنا أسلافنا نأتي إلى بيروت كي نأتي إلى بيروت»..

سترثيك بيروت  رثاء لن تذكره قصائدك بعد ، بيروت التي احتضنتك واحتضنتها،

سترثيك المنافي ، سترثيك المراثي، سيرثيك محبوك الكثر، سيرثيك الغياب، سيرثيك الحجر، سترثيك الأمهات وخبز الأمهات، سيرثيك البرتقال اليافاوي وزيتون القدس، سترثيك، أجراس الناصرة ومآذن قيسارية ستصمت الكلمات زمنا،لتستعيد قصائدك  في هاماتنا، في رفعة رؤوسنا، في عجينة روحنا، لنستعيد ربما  حضورك من جديد، في مستحيل الانبعاث. 

آخر تعديل على الثلاثاء, 23 آب/أغسطس 2016 12:09