حين يغدو الفن حربة في جدار الغيتو اليهودي
كثيرون هم الفنانون الفلسطينيون الذين تجذروا بالأرضِ العربيةِ الملامح والهوية، وأشهروا الفن عصياً تعيق المشروع الصهيوني الاحتلالي الكولونيالي التزويري، وتعرضوا باعتبارهم من طليعة الشعب لثمن الحرية. فمنهم من دفع دمه، ومنهم من أفنى عمره خلف قضبان السجون والمعتقلات، ومنهم من كابد النفي والتشريد؛ لكن ما جفت قرائحهم، بل جادت بشهادات ميلاد عربية فلسطينية، وصكوك ملكية تثبت للعالم من هم أصحاب الأرض الحقيقيون.
ومن هنا كان الجمهور السوري على موعد مع جرعة فنية عالية الإحساس والتعبير لسفيرين فلسطينيين من جيل الرواد الذين عبروا عن الوجع الفلسطيني وخاضوا حروب الهوية، وهما الفنانان التشكيليان «سليمان منصور» و«تيسير بركات» اللذان أقاما معرضاً فنياً من 21/12 إلى 17/1 بدعوة من صالة «رافيا» للفنون بدمشق. حيث ضمت المعروضات تنوعاً وتكاملاً فريداً من نوعه بين أسلوبين عرف بهما الفنانان. فجاءت اللوحات الزيتية للفنان سليمان منصور لتحكي حكاية الوجع اليومي الذي يكابده الفلسطيني في الأراضي المحتلة من جور الاحتلال، والجحيم الذي يخلقه واقع جدار الفصل العنصري، ومئات الحواجز الإسرائيلية التي تُقطع أوصال الأراضي الفلسطينية، وحتى أوصال الناس. فكان اختياره لقطع الجدار العنصري كعنصر أساسي في لوحاته، حيث رسم أشخاصاً داخل هذه الأجزاء بدلالات رمزية عن حالة الفصل وأسر الحرية الواقع على الأرض والإنسان.
أما الفنان تيسير بركات فقد اعتمد أسلوب التشكيل لخلق نماذج وتكوينات معبرة بدلالتها ورمزيتها من عناصر كـ«الخشب والحديد والزجاج»، وباستخدام تقنيات الحفر والحرق، والمعالجة بالأكسدة للحديد، والرسم بالحبر والقهوة، ليعبر في نماذجه عن موضوع فريد عبر دمج الإعمال بقصاصات من رسائل الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال إلى ذويهم، وبالعكس، لتكون بحد ذاتها رسائل إنسانية بالغة الشفافية عن معاناة هذه الشريحة، ولتضيف إلى اللوحات الزيتية بعداً آخر تكتمل به فصول من أجزاء المأساة الفلسطينية وهموم الإنسان الفلسطيني.
وعلى هامش المعرض عقدت ندوة فنية بعنوان «الفكر والفن التشكيلي» شارك فيها الفنان التشكيلي السوري «غياث الأخرس»، تحدث فيها الفنانان عن واقع تجربتهما الشخصية مع الاحتلال، وما تعرضا له من منع معارض واعتقال، وخصوصاً الفنان سليمان منصور. كما تحدث الفنان بركات عن موضوعة احتكام الفن لمتطلبات السوق وتأثيرها على معالجة الفنان لمواضيعه بمقارنة بين الفن العربي والغربي، وما ينحو إليه بعض الفنانين العرب ممن درسوا في أوروبا إلى تغريب للموضوعات، ومن جانبه أشاد الفنان غياث الأخرس بالتجربة الفنية الفلسطينية وحالتها الخاصة، وأضاء على بعض التجارب الفنية الشبابية السورية.
بطاقة هوية:
سليمان منصور هو واحد من أبرز الفنانين الفلسطينيين. مواليد بير زيت عام 1947. درس في أكاديمية بيتساليل للفن في القدس. وكان مديرا وعضوا مؤسسا لمركز الواسطي للفن في القدس 1994 ،والمبادرة الفنية «نحو التجريب والإبداع» عام 1987. وهو رسام كاريكاتيري ومدرس فن وصاحب كتابين عن الفولكلور الفلسطيني. عرضت أعماله في شتى أنحاء العالم منذ عام 1975. وقد ترأس رابطة الفنانين الفلسطينيين لمدة أربع سنين. وحصل على جائزة فلسطين للفنون البصرية عام 1998. كما حصل على جوائز عربية وعالمية.
صاحب أشهر لوحة فنية في مسيرة الشعب الفلسطيني وهي «جمل المحامل».
تيسير بركات مواليد غزة عام 1959. درس الرسم بالألوان الزيتية في كلية الفنون الجميلة في جامعة الإسكندرية. وهو عضو في رابطة الفنانين الفلسطينيين منذ 1984 بالإضافة إلى كونه عضوا مؤسسا في مجموعة فنانين «نحو التجريب والإبداع». وقد شارك في تأسيس عدد من المراكز الثقافية في فلسطين مثل مركز الواسطي في القدس. عام 1998 أنشأ مقهى/ جاليري زرياب في رام الله. وقد أقام بركات عددا من المعارض الفردية والجماعية محليا ودوليا.