ربما ..! أوديسة التمثيل
مبكّراً جداً تجاوز بسام كوسا الفكرة الساذجة في أن يكون محبوباً وموضع إعجاب وحسب، ومبكّراً جدّاً استطاع تخطّي حالة الممثل بوصفه ركناً منفعلاً يتحكّم به مزاج المخرج إلى حالة الفعل والتفاعل، كان له ذلك لأنه أراد لنفسه، منذ البداية، أن يكون طرفاً في المعادلة الإبداعية، يحفر ويبني فيها كما تحفر وتبني فيه. البوصلة الواضحة قادته إلى الجهة التي يشتهي: جهة الفن، في حين كان الكثيرون يغذّون السير لاهثين إلى النجومية، تلك التي غالباً ما تتجلّى زائفةً ورخوةً وسريعةَ الزوال، والفارق الذي يمكن تسجيله لمصلحته هو أن النجومية جاءت إليه تتويجاً لمشروعه التمثيليّ الخلاّق، وليست خضوعاً كليّاً لقيم القوّة والجمال التجارية.
دروس بسام كوسا كثيرة، وعلى رأسها أن التمثيل فنّ الجسد ولغته، فبمقدار ما يستطيع الجسد أنْ يتحوّل إلى آلة وعازف في آن، بمقدار ما تتكشّف الذات والحياة الداخلية للشخصية، وهو ما يساعد على تمديدها ونموها على الملأ.. أمر يشبه التّعرّي إلى حدّ كبير!!
الدرس الثاني هو ربط التطلعات والمشاريع الفنية بحركة الواقع، من أجل المساهمة من ذلك الموقع في العمل على النقد وتصحيح المسارات. طريق وعرٌ قاده إلى معارك ضارية، خاضها أو خيضت ضده.
شروطه الخاصة لقبول العمل التي يستند إليها باتت معروفة للجميع، فهو يسائل على الدوام كل نصٍّ يعرض عليه: ماذا يقول؟ ويفحص كيفية ما يقول؟ من جهة بحثه عن مدى ضرورة الأطروحة فكريّاً واجتماعيّاً، وفي الحين نفسه يقلّب الدور ليرى كمْ أنهما، هو والدور، صالحان بعضهما لبعض.
في تحولاته المستمرة، المرئيّة بالنسبة لنا نحن المشاهدين، إذ لم يكن ليرضى بشكل ناجز بل يبحث عن مساحة جديدة تحفل بالكثير من النّكهات والمعاني، كان الممثل مسكوناً بحمّى أوديسيوس الباحث عن إيثاكا، وبجنوح جلجامش التوّاق إلى آخره، لكنّ إيثاكا وأنكيدو معه يكتسبان دلالة أخرى، هي صيرورة اللاوصول، بل استمرار البحث وديمومته، لأنّ الوصول يعني شيئاً واحداً: الموت!!
هكذا يصبح للمسكون بخليط من هواجس مختلفة، يتداخل فيها العام والخاص والشخصي، الفني والإبداعي والاجتماعي، أن يثبت أنه يمكن لكل حامل همّ ألا يكون مجرد عابر سبيل..