«المرّ والرمان»: القضية وإنسانية البطل... لكن بصورة أخرى
أثار الفيلم الفلسطيني
«المرّ والرمان» عاصفة من ردود الأفعال وموجة شديدة من الانتقادات التي أعقبت عرضه في مهرجان دبي السينمائي خلال تظاهرة «ليال عربية»، وحصوله على جائزة في مهرجان «سان سبستيان» الأسباني للأفلام الروائية عبر تناوله لظاهرة أساسية من المكونات المميزة لحياة الشعب الفلسطيني... وهي زوجة الأسير.
«المرّ والرمان» الذي استمر الإعداد له ست سنوات واحتاج لطاقم ضخم من الممثلين، أبصر النور على شكل عمل سينمائي روائي، هو الأول لمخرجته «نجوى نجار»، فالفيلم الذي يحكي قصة راقصة للفنون الشعبية في مدينة القدس (قمر) التي تتزوج من شاب يعمل مزارعاً في أرضه التي يملكها في مدينة رام الله (زيد)، ثم تتطور الأحداث ويعتقل زيد بعد أن صادرت السلطات الإسرائيلية أرضه.. وهنا تتضافر الأحداث لتنسج صراعاً داخلياً تعانيه قمر بين دورها كزوجة ومتطلبات البيت وضغط أسرة الزوج، وشغفها في تدريبات الرقص الشعبي، ففي البداية تلزم قمر المنزل وتتحمل أعباء العمل الزراعي ومتابعة تسويق زيت الزيتون مثلما كان يفعل زوجها وتعيش على أمل إطلاق سراحه القريب.. عارضاً لمعاناتها لزيارته وهنا يبرز التركيز على إنسانية الزوجة في نموذج (زوجة الأسير)، حين يطل مشهد يعرض لقبلة طلبتها قمر وانتزعتها من زوجها رغماً عن حواجز الأسلاك بينهما، وإصرارها على الحياة عبر ممارستها للرقص الشعبي في منزلها ليلاً، وهي تحلم بعودتها للفرقة بعد خروج زوجها من المعتقل.. ثم اشتداد هذا الصراع وتبلوره مع تجديد الاعتقال الإداري لزيد حيث تقرر قمر العودة إلى التدريب مع الفرقة مجدداً وخصوصاً بعد وصول مدرب فلسطيني من لبنان (قيس) أتى لتدريب حركات جدية وخلال دروس التدريب تنشأ علاقة عاطفية من نوع خاص بين قمر وقيس التي تتجاوب جزئياً نتيجة لحالة الفراغ العاطفي التي تعانيها والموضوع المشترك وهو الشغف بالرقص الشعبي لكنها لا تعطي هذه العلاقة مداها وهو ما يوضحه الفيلم بمشهد يعرض قيس وهو يطلب من قمر قبلة لكن قمر تمتنع عن إعطاءه أياها... ليترك نهاية مفتوحة كحال القصة الحقيقية للشعب الفلسطيني.
الفيلم كما قالت عنه مخرجته نجوى: «لقد حاولنا الابتعاد عن تقديم صور الدماء والدمار التي اعتادت شبكات التلفزة نقلها دون الابتعاد عن جوهر القضية الفلسطينية، لقد مللنا التلفزيون والخطابات والشعارات الرنانة ولا نريد سوى أن نعيش».
وفعلاً.. فشخصيات الفيلم تتسم بالبساطة والمباشرة.. لدرجة أن المشاهد يندمج في القصة ويفقد الإحساس بشاشة السينما فإن كانت الحبكة تتناول زوجة الأسير لكن الكاميرا تنطلق في سرد تفاصيل الحياة اليومية لأناس في حراكهم المعتاد داخل واقع صعب من الاحتلال والحواجز والممارسات القمعية للاحتلال مبينة المستوى الحياتي الذي تعيش فيه شرائح اجتماعية متعددة بإشارة واضحة لسطوة التقاليد والموروث الاجتماعي الذي اعتاده الناس في مثل هذا المجتمع. وأن كانت أبرز الانتقادات التي وجهت للفيلم هي مساسه بالهالة التي تتمتع بها زوجة الأسير وطرحه بعداً جديداً في شخصيتها وهو الإنساني البحت..
ثم إبرازه لفكرة مدرب الرقص الذي حاول استغلال الفراغ العاطفي لزوجة الأسير والإيقاع بها من خلال استغلال التدريب وهو ما دافعت نجوى عنه بقولها «إن قيس يمثل حالة والحرمان الفلسطيني في الخارج».
«المر والرمان» قصة مكونة من عدة قصص ونفسيات مختلفة والأهم أشياء جد واقعية استطاع ببراعة ممثليه أمثال (ياسمين المصري، هيام عيسى، على سليمان) تقديم قصة إنسانية هي مزيج من الحب والحرية تحت القمع والسيطرة الاحتلالية والموروث الاجتماعي فجاء الفيلم أشبه بأغنية تتميز بروحانيتها وجاذبيتها الخاصة ولو أنه مس المعابد كما يقال... إلا أنه يشكل في حد ذاته جهداً سياسياً يساهم في إبراز القضية وإنسانية البطل... لكن بصورة أخرى.