منار ديب منار ديب

كتاب سوريون وعرب عن «القصيبي»: كله في حبك يهون!!

من كرنفال الشعر العالمي في دبي الذي تصدَّره شاعرا الشعر النبطي الشابان، ولدا محمد بن راشد، حاكم دبي الشاعر هو الآخر، وحيث جلست حشود من الشخصيات الأدبية العربية والعالمية تستمع إلى درر القصيد، إلى مهرجان الجنادرية الذكوري الذي جاد علينا بأوبريت «وطن الشموس» الذي يروي التاريخ المخترع الذي لا يزيد عن 300 عام للدولة السعودية، والذي شارك فيه 4 من نجوم الغناء الخليجي، وعدد هائل من الراقصين الرجال، مع خدمات فنية لخبراء من عدة دول، هاهي ممالك النفط تستثمر فوائضها المالية لصناعة صورة ثقافية مشتهاة، ولتؤكد أن كل شيء يمكن شراؤه بالمال!!

 وفي الوقت نفسه كانت فضائح معرض الرياض للكتاب تتوالى، من اعتقال الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لكل من عبده خال، وعبد الله ثابت، ومعجب الزهراني، لمجرد قيامهم بتبادل الحديث مع الشاعرة حليمة مظفر في أروقة المعرض، إلى دعوة الشيخ البراك للمفكر المغربي محمد عابد الجابري ضيف المعرض لأن يتوب.
وفي هذا السياق تخرج علينا جريدة "الجزيرة" السعودية في ملحقها الثقافي الصادر بتاريخ 5 آذار، والمخصص للوزير والأديب السعودي غازي القصيبي، بغلاف حمل بورتريه للقصيبي بالحطة والعقال بريشة الفنان السوري «التقدمي» يوسف عبد لكي، وغلاف أخير تقاسمته قصيدة عصماء خطها الخطاط السوري اليساري منير الشعراني، ولوحة تصور القصيبي بالبدلة العصرية بتوقيع الفنان العراقي الشهير جبر علوان.
وإذا نفذنا إلى داخل الملحق المكون من 48 صفحة، والذي وصف القصيبي بـ«الاستثناء» فإننا سنقابل أسماء سورية وعربية بارزة تتغنى بعبقرية المذكور الشعرية والروائية، وربما لو لم يكن الرجل سعودياً وسفيراً ووزيراً لما سمع به أحد، سورياً من بين أبرز من ضمتهم قائمة «الشرف»: سليمان العيسى، غادة السمان، الكاتب الساخر زكريا تامر، ياسين رفاعية، شوقي بغدادي، وعبد الرزاق عيد الذي كتب مقالاً من صفحتين حمل عنوان «المنظور القومي الليبرالي التنويري» (يا قوة الله)، الروائي نبيل سليمان، وأخيراً الشاعر الرقيق منذر مصري. أما عربياً فلدينا نقاد لامعون كعبد الله إبراهيم، وفيصل دراج، وشعراء مهمون كمحمد علي شمس الدين، وشوقي بزيع، وقاسم حداد، وسيف الرحبي، وروائيون مشهورون كعلاء الأسواني، ومكاوي سعيد، وإنعام كجه جي، والقائمة تطول..
وإذا كان عدد من كتاب هذه المقالات قد قرؤوا أعمال القصيبي تبعاً للمناسبة والتكليف، وأنجزوا الوظيفة المدرسية كتلامذة شطار، وبعضهم الآخر كان أضعف من أن يرد الطلب فكتب رفعاً للعتب، فإن آخرين قد استمرؤوا القصة، وصدقوا أن رجلاً هو جزء من النظام الوهابي، بصفته الرسمية، يمكن أن يقدم إضافة إنسانية، القصيبي في أحسن الحالات هو جزء مما تسميه مضاوي الرشيد «الليبرالية الطفيلية» التي تستفيد من الهامش الذي تناور به السلطة السعودية داخلياً لتصفية الحسابات وتقوية أوضاعها، وخارجياً لتلميع صورتها، وتصير هذه الليبرالية بالمحصلة في خدمة النظام الذي يقطع الرؤوس في الساحات، ويمنع المرأة من قيادة السيارة، ويستعبد العمال الأجانب، ويقيم أوثق التحالفات مع الإمبريالية وأعداء الشعوب.
هناك مواقف لا تتحمل المجاملات، ولا أحد يجبر أحداً على القيام بما يتناقض مع قناعاته، ونحن هنا نتحدث عن شخصيات لها قيمتها الاعتبارية، وهي سلطة بحد ذاتها، الدجل يجب أن يسمى دجلاً، والكذب يجب أن يوصف ككذب، وحين يهرول هذا الجمع من الأسماء البارزة لمديح كاتب متوسط القيمة، فإن في الأمر إن. وفوق ذلك تأتي الصفة الرسمية للقصيبي والنظام الذي يمثله لتفرض على أي مثقف حر أن يأخذ مسافة ضرورية، المبررات كلها ساقطة، كما سقط أصحابها في تورطهم في هذا العمل الغريب. هل ما زلتم تذكرون عبد الرحمن منيف ومدن ملحه.