مطبّات الكآبة الوافدة

بهتت الصديقة وامتقع وجهها ذعراً، اصفرت كأنما تلقت خبراً عن عزيز فقدته،  لقد مات يحيى، ومن يحيى، البطل الأسمر ذو الشارب الوسيم، البطل الذي أحبته لميس حتى الجنون، يحيى بطل مسلسل سنوات الضياع.

قبل أكثر من عقد، جاءت (كساندرا) إلى ديارنا، وحبست الجميع في البيوت بما يشبه حظر التجول.

حطمت كساندرا قلوب السوريين، وحطم ( لويس دافيد) قلوب المراهقات من بني جلدتنا، وارتمينا على الطرقات بنظراتنا باحثين عما يشبهها، وحلمت كل النساء بوسيم يأتي إلى السيرك في سيارة فارهة، وسقطت في ضربة واحدة أسطورة الفارس الشهم القادم على حصان أبيض.

انتشينا قليلاً بنساء من بيئتنا في (التغريبة الفلسطينية، باب الحارة، وأيام شامية)، الدراما السورية المعاصرة، ووجدنا ضالتنا في نساء على قد مقامنا، بحجم قاماتنا، يرتدين لباس شقيقاتنا، نسائنا، وأمهات لسن سوى أمهاتنا. كان خروجاً رائعاً من زمن المستورد على قياس العشاق في أمريكا اللاتينية، رغم أننا جميعاً عشقنا بطلات الأعمال الروائية لماركيز وكويلهو وسواهم، أحببناهن على الورق، لكننا نعود صاغرين لنسائنا، العابرات الأزقة الضيقة، الجامعيات، بنات الريف وجارات الشرفات، تعانقنا معهن دون فصام، سقطت كساندرا حتى اللحظة الأخيرة.   

عاودت الموضة للظهور في وقت سيئ، في الوقت الذي كنا اعتقدنا تجاوز المحنة، بنفس التفاصيل، ولكن أشد وطأة، كانت كساندرا تفرغ شوارعنا في الظهيرة، لكن نور ولميس أفرغتا أيامنا، لم تعد المساءات صالحة للمساء، القيلولة صارت لصياح مهند من الوله، الأولاد في فزع من أن يقتل عابدين مهنداً ونور، تصيح الطفلة في حضن أمها: يا رب.

حتى الذين فاتتهم حلقة الظهيرة والمساء، باتوا ينتظرون حلقة أول الفجر، اليوم كله مشغول ومشغوف بالقصة الخرافية، حلقات ممطوطة فقط لتمرير فكرة واحدة، في اللحظة التي يخطف عابدين الجميلة نور، يبقى المتفرج حلقتين كأنه هو الذي يعيش في المغارة، مشهد من الممكن أن يمر في دقائق، يستغرق ساعات من التحفز وشد الأعصاب، والانتظار الصعب لموعد المسلسل.

نور، سنوات الضياع، دراما تركية بلهجة سورية، وهذا الجديد الذي ساعد في نجاح الاستقطاب الكبير للجمهور، أصوات عرفناها، لكن هذه المرة لوجوه قد تكون أجمل، وجوه تركية مشرقية، بألسنة عربية شامية، إنها المقدرة الفذة على سحب المشاهد من عمله وأسرته، من أمام بوفيه المطبخ، من سرير الوليد الجديد، من سرير الزوجية أحياناً.

منذ سنوات هاجمنا البنطال كأحد مفرزات العولمة الجديدة، ولسنا في معرض الدفاع عنه أو الهجوم عليه، إن كان من شأنه أن يفقد الأنوثة معناها، أو يُشبّهها بنا، نحن الرجال، لكن استحضار الأنثى التي تعودنا عليها، طربنا للغناء عن تنورتها، وانتظرنا كثيراً،ً كمن ينتظر فريسة، هبة هواء شديدة لترتفع التنورة عن حلم تشهيناه.

من العشق على الطريقة المكسيكية إلى العشق التركي، وإن كان الأخير ليس بالبعيد عنا، مسلسلات تأخذنا بعيداً عنا، عما يشبه روحنا، وتربي بين ظهرانينا جيلاً نكاد نستغربه، جيلاًً بعيداً عن همسات الروح التي تمثل هذا الشرق المزدحم بالذكريات والأساطير والميثيولوجيا، الشرق الذي علمنا القصص الناعمة عن الحب حين يدغدغ فينا غريزة الانطواء، اللمسة التي ترعش الجسد بوداعة، لا بانقضاض حيوان ضار.

العشق الشرقي الذي طالما راودنا على لمس يد امرأة كحلم كبير، عن الانتفاض من أخمص البدن إلى رأسه حين نريد أن نقول لامرأة إني أحبك.

الشرق الذي علمنا الخجل في اللقاء الأول، لاستخلاص اللذة كاملة بعد حين، الحب من دون الكشف عن المستور وفضحه، المستور الذي صار من البهيات في عصر الانفتاح على كل شيء، حتى النهاية.

 مهند، يحيى، الأبطال الأتراك الذين يحتلون بصورهم شوارعنا وصدور الحالمات برجل جديد، رجل لا يشبه العاطل عن العمل، الثري الجميل على هيئة أبطال روايات عبير، ليس جامعياً في انتظار فرصة عمل، ليس موظفاً براتب محدود، ليس عاملاً في القطاع العام، حالمات برجل كامل المواصفات، جمال ومال وجاه، سطوة وقوة وجبروت، رجل ليست بحاجة لسؤاله من أين لك هذا؟ كيف جمعت المال؟ كيف تنفقه؟!! رجل ببساطة يدفع دون حساب، يدفع وينسى، لا يشاكلها في أول الشهر، وتهجره بعد منتصفه، رجل ليس على مقاس الأغلبية في وطني، رجل ولد وفي فمه مفتاح سيارة فخمة، ورصيد في البنك، رجل قوي وممتلئ، ناعم، أشقر، بعيون ملونة، ودون تاريخ في الحزام المزنر بالتعب.

■ ع.د

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 11:39