يوميات مسطول «جوّع كلبك بيلحقك»

أتيحت لي في القرن الماضي فرصة التعرف على غني من أكبر عشرة أغنياء سورية. وقد استمتعت بالحوار معه بهدوء وتلذذ، محاولاً أن أفهمه، وقد فهمته.

وكوني مسطولاً، كان يستمتع بالحوار معي معتبراً أنني ديناصور انقرض، ومحاولاً في الوقت نفسه أن يغيّر عقلي الشاذ عن الناس الذين كانوا يجرون مهرولين نحو الغنى والاستفادة، فوقتها أينما ذهبت تتعثر بوجوه ملؤها الرغبة بالثراء، لأن ذلك كان متاحاً لبعض الناس.

في محاضرته الثقافية لي، ركّز معي على مثل شعبي شهير: (طعمي كلبك بيلحقك). أنا بالحقيقة لم أفهم فوراً شو علاقة كلبه بحديثنا.؟!.. أنا عم ناقشه انو الناس لازم ترفض وتثور عليهم (على الأثرياء)، وهو يقول لي: كلبك ـ بيلحقك ـ طعام، شو القصة. وعندما أدرك أنني مسطول لا يفهم شيئاً، قال لي:

ولك يا مسطول! شوباك... الناس كلها راكضة ورانا منشان ينتفعوا. طعميهم بيلحقوك وبيصيروا معنا ضد الديناصورات مثلك.

فهمت أخيراً. سيادته يرى أن الناس كلابه، فإذا رمى لهم عظمة بيلحقوه. وكانت ظابطة معه مع كم مترزق بيلحسوا حذاءه كل صباح حتى لم يعد يحتاج لماسح أحذية.

بس الزمن بيمر بسرعة. البلد فلست وفلوسها صارت برّا، لأن صاحبنا وشلته أكلوا الأخضر واليابس، وشربوا المي وبلعوا أكل الناس، وبطريقهم خربّوا الإنتاج. ما شاء الله ما ظلّ شيء حتى الهواء لوثوه،  وهنّة مبسوطين لأنو ربحوا.

يعني بدك تقول سورية صارت بفضلهم خرابة. ساعتها أصريت أنو ارجع دردش معه بالسياسة بعد ثلاثين سنة.

رحّب بي وهو يتفرج على الديناصور الذي هو أنا. يبتسم ويفحصني بانتباه بلكي بيلاقي تغيُّر. ما في فائدة مثل ما أنا، هيك سألني.

أنا طبعاً بدي شوف شو صار بالكلاب التي هي نحن الشعب: قلت له: إي أستاذ. ما عاد في طعام تطعميه للكلب منشان يلحقك، الناس تغيرت وبكره بتلاقي حالك لوحدك. مو هيك.

كاد يموت من الضحك: ولك يا ديناصور، الناس جاعت وصار بدها من الله أكل. لا بيت ولا سيارة ولا رصيد بالبنك. وكل ما جاعوا بيرجعوا بيلحسوا الحذاء مشان ياكلوا. تغيّر الزمن يا مسطول. صار المثل: جوّع كلبك بيلحقك.. نسخنا المثل القديم، وظابطة معنا، لأنو الأكل بإيدنا.. يا مسطول! القمل بيجيب قمل، والفلوس بتجيب فلوس، وأنت مقمل رح تجيب قمل.. ما عم تفهم أنو الناس لساها صافة على الدور بدها عطفنا؟ وصاروا منبطحين أكثر من الأول، وصار شراء الناس أرخص وأسهل؟

يعني إذا كانت البنت من 30 سنة بدها بيت وسيارة منشان تجي لعندي، صارت مستقتلة منشان زيادة شوي بالراتب وشوية هدايا، ما عاد فيها تحتمل.

والحبل عالجرار اللي ما بترضى لجهنم، في غيرها كل البنات.. والناس بتبوس ايدي منشان شغل راتبه ما بيكفيهم أكل هم وأولادهم.

قلت له: ولك يا ملياردير يا أجدب. لهلق الحالة ماشية معك مثل ما عم تقول، بس ما تنسى أنو كلبك إذا جاع ممكن ياكلك! وإذا أكلك، بتصير أنت وفلوسك ببطنه، يعني أنت مو أحسن من غيرك اللي أكلوه كلابه. يا رب يا قادر يا جبار تجيب دعوات الناس عليك.

■ سمير عباس

آخر تعديل على السبت, 03 كانون1/ديسمبر 2016 11:40