رائد وحش رائد وحش

ربما ..! على متن التيتانيك

لا أدري لماذا خطر ببالي فيلم «تيتانيك» ليلة رأس السنة!! أظن أن اللاوعي قدّم تلك السفينة العملاقة كمعايدة للوعي لأنها تصلح مجازاً للبشرية، فالمحيط هو العبور، وجبل الجليد الأصم والأبكم والأعمى مجاز القوة التي تصلح الولايات المتحدة الأميركية لتجسيدها المكابرة بامتياز.. السفينة والمحيط وجبل الجليد مفردات متفرقة، تقول، لو جمعت في جملة واحدة، إننا ماضون إلى بئس المصير.

يتخرب العالم رويداً رويداً، وربما ما من فرق بينه وبين سفينة المخرج جيمس كاميرون سوى أنه لن يحتاج إلى جبل جليد ليغرق، لأن خرابه الذي أنجزته مشيئة القوة المطلقة العنان، المعذورة من أية لباقة أخلاقية، سيكون كافياً لإغراقه. دون أن تكون لقبطانه شجاعة قبطان (تيتانيك) الذي اختار الموت في حجرة القيادة مع القليل الباقي من شرفه الذي أهانته الأمواج العاتية، أما مهندسو الطغيان، فلن يفعلوا ما فعله مهندس تلك السفينة وقد مات مع إبداعه الواهن، إنما سيتعللون بأن العالم (الخالي من الديمقراطية، كما يفهمونها، وحقوق الإنسان، التي يصرفونها ويمنعونها متى شاؤوا) غير جدير بالحياة كما يحدث مع مليون ونصف مليون إنسان يقابلون العراء والعزلة والحصار كأنهم وسط بحر أصم  في غزة .‏
من سيوقف هذا الجنون الحيوانيّ المستطير؟ أنا، أنت، هم؟ كيف وهذه الضمائر وأخواتها أصفار مكعبة؟ لعله الحب من يفعل ذلك! ألم تر أن جاك (ليوناردو دي كابيرو) وروز (كيت وينسلت) فاضا من الجمال بما طغى على قبح الموت الجماعي غرقاً وسقوطاً وتجمداً؟‏
بين سفينة تلتهمها المياه، وحياة تتفتت تحت أنياب الكراهية، تكون الصورة واحدة لعالم يسير إلى حتفه، أية صورة لعينة هي هذه؟ وأية مخيلة شيطانية تلك التي تعمل على جعلها أيقونة؟ في نهاية
(2009) مع (تيتانيك) لا نرى شيئاً سوى نهايتنا كمشاريع بشر،  إن بقينا واهنين صاغرين، قسرتها الغطرسة الإمبراطورية الجديدة على ألا تكون، هذا ما يقوله طالعنا، ليس الذي يدبجه المنجمون والفلكيون على جري العادة مع انتهاء كل سنة، بل يقوله الفيلم الذي يعرض كحظ سيئ للجميع.‏
من يوقف أو، يا أخي، يخفف هذه الحمى حين تندلع بشكلها الأشنع؟‏
قبل قليل، قلنا: الحب، ونضيف القوة والتضامن العالمي وكنا نضمر جاك وروز. عفواً، الحب في عداد الغائبين، ولن ينفعنا قول الشاعر وديع سعادة «أجملنا هو الغائب».‏