2008 عام صاحب«داغستان بلدي»: عمي ورسول حمزاتوف
في مضافته المتواضعة والمتربعة على كتف الوادي في قريتنا الوادعة، فاجأت عمي أبا نعمان الرجل السبعيني، وهو منكب على صفحات كتاب «داغستان بلدي» لرسول حمزاتوف. يمخر بها عباب داغستان محلقاً عبر فضاءات في البعيد البعيد، موصولة بذاكراتنا الشعبية ومورثتها الفلاحية. تماثلها عمقاً واتساعاً «لقد رافقت حمزاتوف من خلال كتابه، إلى جبال داغستان وسهولها وينابيعها وبيوت فلاحيها وطراز تفكيرهم. ما أروعه! كأنه واحد منا. يكتب عن جبال كأنها جبالنا، ومنظومة عادات وأعراف، ووقائع تراثية ممزوجة بأساطير شعبية. كأنها منا ولنا»
شغفه بقراءة الكتاب ونهمه العميق لمضامينه، بدد دهشتي، وأجاب على استغرابي: ما الذي جعل حمزاتوف يسحر لب وقلب العم الطيب البسيط؟! ما أروع ذلك اللقاء الذي طوته سنوات وسنوات.. وعدت اليوم أذكره بمناسبة إعلان داغستان: «عام 2008» عام الشاعر الكبير، تقديراً له وتكريماً فمن هو رسول حمزاتوف الذي يفوح شعره بالنزعة الوطنية العميقة، والشعور العالي بالمسؤولية، اتجاه وطنه وشعبه، والذي يتسع مجال قصائده التي يحفظها أبناء بلدة، ليشمل مواطني الاتحاد السوفياتي السابق، والعديد العديد من شعوب العالم؟!
ولد حمزاتوف عام 1932 في أسرة متعلمة ربانها شاعر شعبي عمت شهرته داغستان. عاش طفولته في قرية تسادا أي «الشعلة»، والتي تفخر حكايات الجبليين بسحر شروقها وغروبها الأكثر روعة من أي مكان آخر. حصل الشاعر وبجدارة على الكثير من الألقاب، والعديد من الجوائز الأدبية في بلده وروسيا والعالم. منها الجائزة الدولية «أفضل شاعر في القرن العشرين» وجائزة كتاب أسيا وأفريقيا «لوتس» وجائزة «نهرو» و«الفردوسي» وغيرها. ترجمت مؤلفات حمزاتوف للعديد من اللغات بما فيها اللغة العربية. ولعل كتابه «داغستان بلدي» من أشهر مؤلفاته. وقد عربه الشيوعي المزمن الراحل عبد المعين الملوحي والأستاذ يوسف حلاق. وفي الكتب يتحدث عن «داغستان» وموروثها الشعبي، من حكم وأمثال، وحكايات وسواها. كما يتعرض لأخلاق فرسانها ويبسط آراءه في الأدب والشعر. كما لا ينسى التطرق لمدرسة الأب التي تعلم منها الكثير، وهذا ما تعكسه صفحات الكتاب ومن المعروف، أنه فرغ من تأليفه كما يذكر في أيلول من عام 1970.
فمن أقواله عن «داغستان» والمفعمة بحب الوطن والاعتزاز به:
«كتابي سيكون اسمه «داغستان» نعم! وهل يمكن أن يكون هناك اسم أنسب وأروع وأدق منه؟!»
«أنا أرتدي اللباس الأوروبي. ولم أعد ألبس قفطان والدي. ولكن أشعاري أريدها أن تأخذ الشكل القومي الداغستاني».
«لكل كتاب من كتبي أمّان: الأم الأولى هي داغستان حيث ولدت. وأمي الثانية هي روسيا العظيمة، هي موسكو التي ألهمتني وأرتني العالم كله».
«في كوبا أهديت كاسترو فروة داغستانية فسألني مستغرباً: ولماذا ليس لها أزرار؟! أجبته: كي يرميها الإنسان عن كتفيه في سرعة أكبر، وقت الحاجة، ويمتشق سيفه. فأجاب موافقاً: إنها لباس مقاوم حقيقي. ويتابع: أجل هذه داغستان. المكان ضيق في الجبال، لكنه رحب في القلوب».
«عندنا كلمات مثل: أكتوبر، لينين، روسيا. هذه الكلمات لا تحتاج أن تترجم إلى كل لغة. إنها مفهومة هكذا».
وقد انتشرت أشعار حمزاتوف في جميع القارات. حيث عبرت كل الحدود، فتلقفتها الشعوب وغنتها. عن مادته في الكتابة يقول: «موضوعي هو الوطن. ليس علي أن أبحث عنه واختاره لسنا نحن الذين نختار الوطن. إنما الوطن هو الذي اختارنا منذ البداية لا يمكن أن يكون هناك نسر بدون سماء».
ومن جميل أشعاره في «داغستان»:«السواقي تحن دائماً إلى البحار/ والبحار تحن إلى السواقي/ يمكن للراحتين أن تسعا القلب/ لكن القلب يتسع لكل العالم/ البلاد الأخرى جيدة جداً/لكن داغستان أغلاها على النفس/». أما عن والده الشاعر الشعبي المشهور في وطنه داغستان، والذي تعلم منه الكثير. فيقول: «كان والدي يردد: يمكن للرجل أن يركع في حالتين: ليشرب من العين، وليقطف زهرة وأنت يا«تسادا» عيني. هاأنذا أركع أمامك».
لم يتوقف عطاء حمزاتوف المتعدد، إلا حين توقف قلبه عن الخفقان في الثالث من تشرين الثاني عام 2003 حيث ووري الثرى في مدينة «محج قلعة» عاصمة داغستان. وذلك بالقرب من زوجته «باتيمات» ومن المفارقات المفتنة: أن الرئيس الروسي بوتين قلده وسام الدولة، قبل أن توافيه المنية بأقل من شهرين. وقد أبّنه الشاعر الروسي روبرت روجد يستفينسكي بكلمات منها: «شاعر عظيم، أعطى لداغستان وجبالها واللغة الآفارية الشهرة. إنه ليس شاعراً لداغستان وحسب، بل شاعر روسيا المحبوب، القريب من كل قلب».