باكورة سامر سلامة وعلاء السعدي «25 ألف خيمة» يتيم السينما عن كارثة التنف
«25 ألف خيمة»، فيلم تسجيلي للمخرجَين الشابين سامر سلامة وعلاء السعدي، عن حياة لاجئي مخيم التّنف الذين قذفتهم حرب احتلال العراق إلى جحيم صحراء الحدود السورية العراقية، حيث أقاموا هناك، في ذلك البرزخ، قرابة عام وهم ينتظرون، ينتظرون ماذا؟ «غودو».. يقول أبو فادي، ممثل المسرح الذي لم ير غودو إلا على الخشبة. ربما لأن أقدار الفلسطينيين ما كفت تعبث.. أو هي دورة مستمرة من اللامعقول، كقول أبي كمال، الناشط والصحافي، بسخطه المحموم: «من خيمة لخيمة!».. فحياة هذا الرجل بدأت، قبل ستين سنة بخيمة، وبعد ستين سنة أخرى، وهو في أواخره، يودع حياته في خيمة أخرى. ما أشبه اليوم بالبارحة!
يتميز السرد الفيلمي في «25 ألف خيمة» بمستويين متوازيين، يتوزعان بين ما يرويه أهل المخيم عن معاناتهم اللا إنسانية، في هذا المكان اللا إنسانيّ، كما يستعيدون حديث الأمس عن مخيمات اللجوء الأولى.. هكذا يتحدث كل من أم وأبي عامر، وآية وأبيها، والآخرين.. أحاديثهم هي أحاديث الفلسطينيين جميعاً، لكنهم يتحدثون عن كارثة على مرمى حجر، الآن وهنا.. وفي المستوى الثاني حيث تجوس الكاميرا تفاصيل العذاب والألم في المكان وسكانه، يأتي التعليق المأخوذ من كتاب «في حضرة الغياب» لمحمود درويش ليقول الغامض من المشاعر، والعصي من الأفكار، وليعيد قراءة الوجع الفلسطيني نقطة نقطة، فاصلة فاصلة..«لا جديد إذاً، لا جديد في هذه القطيعة الصلبة مع الزمن. لا جديد سوى قديمك الزاحف منك وإليك متحولاً فكرة وصورة تتناوبان، بلا مهارة، ذرائع هدوئك الذي لا غنى لك عنه للتنفس الطبيعي في هواء فاسد».
«25 ألف خيمة» في ما تحمله تأويلاته المتعددة لحالة اللجوء المتجددة، من خلال ما حصل في التنف، هو أيضاً عمل فني بديع، ميزته أنه لشابين يعدان بالكثير، بلغة بصرية راقية، ونَفَس شديد الخصوصية.
يقول المعلّق على لسان درويش:«وتسأل: ما معنى كلمة لاجئ؟ سيقولون هو من اقتلع من أرض الوطن. وتسأل ما معنى كلمة وطن؟ سيقولون: هو البيت وشجر التوت، وقنّ الدجاج، وقفير النحل، ورائحة الخبز، والسماء الأولى. وتسأل: هل تتسع كلمة واحدة من ثلاثة أحرف لكل هذه المحتويات.. وتضيق بنا؟ وبسرعة تكبر على وقع الكلمات الكبيرة، وعلى الحافة بين عالم ينهار خلفك، وعالم لم يتشكل بعد أمامك.. عالم مرمي كحجر طائش في لعبة أقدار». هذا ما كان يجول في أدمغة الجميع لكن اللغة كانت تخذلهم.. غير أن الكاميرا استطاعت إنصافهم، متحدية عنجهية اللغة وتعاليها بالصور، فهاهي أم عامر، على سبيل المثال، تجسيد لبنيلوب واقعية.
يذكر أن «تحالف حق العودة إلى فلسطين» عرض الفيلم في شيكاغو ضمن احتفاليات الذكرى الستين لنكبتنا، نكبة فلسطين.