«هويات» للأردنية سوسن دروزة ارتباكات وانفعالات بألوان جواز السفر
هويات فيلم تسجيلي «28» دقيقة وقعت عليه سوسن دروزة إخراجاً وشركة الرواد للصوتيات والمرئيات إنتاجاً بمشاركة دانمركية في الإنتاج والعمل التقني. حصل على جائزة أفضل فيلم وثائقي قصير في مهرجان إيكو فيلم الدولي في رودس اليونان عام 2007.
تدرك المخرجة الأردنية سوسن دروزة أن سؤالها البسيط «ماهي هويتك» لا يتسع له شريط سينمائي ليضفر إجاباته المتنوعة والمتعددة ولذلك اختارت المخرجة شخصيات فيلمها التسجيلي «هويات» والذي عرض مؤخراً في دمشق ممن تعتقد أنهم يدورون في أفلاك هويات مختلفة، مركبة ومتناقضة أحياناً وبسيطة فطرية أحياناً أخرى. كل هذا لتتيح لكاميرتها فرصة رصد انفعالات وارتباكات إنسانية على مسرح تؤثثه فضاءات حرة للارتباكات والتي هي جوهر الفيلم وثيمته الأساسية.
يمضي الفيلم بحواراته مع فنانيه الستة على ضفتين متوازيتين، تنفرد بإحداها الفنانة الفلسطينية، ريم البنا، بينما يمضي الباقون على الضفة الأخرى والتي سرعان مايتكشف أن لكل منهم ضفته الخاصة التي تصنعها تجربته الشخصية، والتي يغادرها لضفاف أخرى مع استمراره بالبوح والمكاشفة اللذين يؤججهما سؤال الهوية.
إذاً ستة فنانين من أصل عربي يحملون جنسيات أخرى، يروي كل منهم علاقته بجواز السفر الجديد الذي فتح لهم الحدود وأعطى أحلامهم الفنية أبعاداً جديدة، إلا أن بوحهم هذا يكشف أن تغير ألوان جواز السفر لا يمحي ما لطخته تراكمات الماضي على قماشة الروح.
تستحضر سوسن دروزة خشبة المسرح، وهي الخبيرة بها، لتكون فضاء موازياً، وحاضناً للارتباك والتشظي الذي يضرب عمق أرواح هؤلاء الفنانين، ويجعلها رهينة لاحتباس الهويات في عمق النفس الإنسانية. يقول «ضياء» الفنان السوري التركي النمساوي إنه «هو كما هو» رغم جوازاته المتعددة ولافرق سوى أنه ارتاح من طوابير الانتظار والتفتيش في المطارات.
الموسيقي المصري فتحي سلامة تثقل كاهله صورته لدى الآخر الغربي ويشعر بأنه معني بشكل أو بآخر بتبيان هويته وثقافته بعيداً عن الصورة النمطية للعرب لدى الغرب.
تعترف الفنانة العراقية أن إغواء جواز السفر الدانمركي كان أكبر من تمسكها بجوازها العراقي الذي خرجت به من بلدها هرباً من ملاحقة الدكتاتورية لها نتيجة انتمائها السياسي واغترابها الإنساني عن ثقافة مجتمعها التي تنوس بين تسلطين، الدكتاتورية والقوى الأصولية.
الفنانة التونسية أرهقتها الهوة العميقة بين ثقافتي الشرق والغرب فيما يتعلق بحرية الإنسان وذاتيته الفردية، فتكاملت دموعها مع توق جسدها الراقص على المسرح والباحث عن الحرية في فضاءات نقية غير ملوثة بركام التقاليد، فأعطت برقصاتها صورة مكبرة عما تعنيه الهوية لها.
تتجول الكاميرا مطولاً في شوارع كوبنهاجن بصحبة المطربة الفلسطينية ريم البنا فتدخل حياً ينبئ اسمه عن سكانه «مخيم شاتيلا» تتآزر البنا مع عدسة دروزة لرصد انفعالات الناس مع الذاكرة الفلسطينية التي تمثلها البنا بحضورها، وتستجلي فائض الحنين الذي توقظه هذه الذاكرة، تطرح ريم سؤالاً بريئاً على مجموعة من الأطفال الفلسطينيين عن مدنهم، فيجيبون بأنهم من بيروت في فلسطين، وربما خلف صدق هؤلاء الأطفال تكمن إحدى مآسي الهوية الفلسطينية من حيث تشتتها وتشظيها وعلاقتها مع أكثر من آخر.
«هويات» فيلم يمضي بأجوائه لنهايات معقولة ودون تصورات مسبقة، ولذلك ترك الباب مفتوحاً لرياح الأسئلة لتقلب أوراق الذاكرة ودفاتر الهوية وتنحت ترسباتها على هيكل الروح.