لقمان ديريكي لقمان ديريكي

صفر بالسلوك: عراقي بثلاثة أوطان

العراقي ليس غريباً هنا، فهو كالفلسطيني عندنا، يعني من أهل البيت، ولقد مر معظم المنفيين بسورية طيلة فترة الثمانينات، كما أن الكثير منهم لم يغادر إلا لكي يعود، ومنهم من لم يغادر،

ففي فترة الثمانينات كان معظم العراقيين في سورية هم من الشعراء والفنانين والأدباء المعارضين لنظام صدام، وكانوا يقيمون لفترة في سورية بانتظار أن يتم قبولهم في إحدى الدول الغربية، ولكنهم كانوا يعودون في الإجازات، بشعور العائد إلى الوطن لقضاء الإجازة ولقاء الأهل والأحباب والجيران، كل عام كانوا يعودون، حاملين معهم العراق وجواز سفر غربي، حتى أنه يندر أن تصادف عراقياً بدون جنسية أخرى، ثم سقط نظام صدام ودارت بعدها الحرب فجاءت وفود المهاجرين من الحرب إلى سورية، وبدأنا نشاهد العراقيين العاديين، فقد كنا نشتهي أن نرى نجاراً عراقياً أو طبيباً، كل الذين كنا نعرفهم كانوا من المثقفين والسياسيين، وطالت الحرب، وطالت إقامة العراقيين حتى باتوا جزءاً منا وبتنا جزءاً منهم، وكان أن ذكرتُ ذلك القول لأندريه بارو: «أن لكل إنسان في العالم وطنين.. وطنه الأصلي.. وسورية» لصديقي العراقي الذي أكمل قائلاً: «إلا العراقي.. فله ثلاثة أوطان.. العراق والمنفى وسورية»، وكنتُ أن كتَّرتُ غلبة عليه وقلتُ أو ليست سورية دارجة تحت بند المنفى بالنسبة له، فرد علي بنزقه العراقي المعهود والمحبب (آغاتي قلبي حبيبي .. سورية ليست منفى.. سورية هي سورية).

ويا لحكاية العراقي في سورية، يا لحكاية هذا الإنسان الذي تحول وطنه إلى نشرة أخبار، يا لهذا الوطن الذي تحول إلى أرقام وأعداد ضحايا وشهداء وبؤساء ومهجَّرين ومخطوفين ومدمرين ومعذبين، يا لهذه الحكاية العراقية القديمة، ما مر عام والعراق ليس فيه جوع كما يقول السياب، ما مر السلام على العراق في يوم من الأيام، وكأن هذه البلاد الغنية بالمواهب والعقول منذورة للقتال والدمار، حتى دخلت لغة الحروب إلى أحاديث الحب والغرام، فترى العراقي يقول (دمرتني هذي البنت.. قتلتني .. ذبحتني من الوريد إلى الوريد.. شنو هذي البنية .. نسفت أحلامي.. وفخخت أيامي.. آني مُدمَّرٌ حباً)، ويطول أمد الحرب، ويطول أمد العراقي في الإبداع والعيش، لكن الحزن يبقى سيد الطبائع في الروح العراقية، رغم الفرح القليل، ورغم حب الحياة العجيب لدى العراقي، إلا أن الحزن هو طابع من طوابعه، فترى قصائد الحب حزينة، ولوحات الرسامين حزينة، وموسيقا الملحنين حزينة، وأصوات المطربين حزينة، أما الحزن العراقي فهو حزين جداً، مو حزن مو حزن لكن حزين، هكذا تكلم شاعر العراق العظيم مظفر النواب، غير أن الفرح العراقي طابع من طوابع العراق رغم محاولات تدميره وقتله، والفرح العراقي هو جوهر مقاومة الإنسان العراقي لآلة الدمار، فمتى سنردد مع الياس خضر (وداعاً يا حزن).. إي والله.. وداعاً يا حزن.... متى؟!

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 10:49