تاريخنا هو ما تم التأسيس عليه

تاريخ من الفن هي منى واصف، في المسرح والسينما والتلفزيون، تختصر بتجربتها مسيرة فن التمثيل السوري، من أوائل الأسماء النسائية التي برزت، والمستمرة إلى اليوم بحضور متوهج، من أدوار المرأة القوية والفاعلة، والتي شكلت بشخصها نموذجاً للمرأة العصرية والمستقلة، إلى الصورة التي استقرت عليها كأم ذات جلال، وكاستعارة لدمشق.

علاقة منى واصف مع الفن تسبق دخولها مجال التمثيل«كنت قد شاهدت الكثير من الأفلام الأجنبية، كان عمي يأخذنا إلى السينما، وهو رجل منفتح ومتعلم، أحببت الأفلام العربية أيضاً، كنت أحب ليلى مراد لأنها تشبه أمي»، في العام 1960 بدأت العمل مع المسرح العسكري، وهي تعاملت مع الأمر في البداية كمجرد وظيفة تتيح راتباً ثابتاً لكن «مع العمل أردت أن أصير ممثلة، أول مسرحية كانت «العطر الأخضر» كنت مرعوبة، حتى فقدت صوتي، أحسست بالمسؤولية، لكنني نلت الإعجاب، وبدأت أحب التمثيل، أحببت المهنة لأنها غريبة، ولأنها تتيح علاقة قريبة مع الناس».

الفنانة التي ستقدم طوال عقدي الستينات والسبعينات مسرحيات كبرى من الريبرتوار العالمي مع المسرح القومي  لم تتلق دراسة أكاديمية، تقول «اكتسبت بالخبرة ما لم اكتسبه بالدراسة، في المسرح التلفزيوني، والمسرح القومي وقراءة نصوص كثيرة ومناقشتها، مع بروفات تمتد لأشهر، كنا من جيل واحد أو متقارب كمخرجين وممثلين، كنا جديين، وتعبنا في الاكتساب الثقافي والمعرفي، إلى درجة أنني كنت أقول الجملة قبل الممثل في الأفلام الشيكسبيرية، قرأنا الكثير وكنا مضطرين للقراءة، ربما لكي أتلافى نقصي التعليمي، صرت نهمة للقراءة»، وهي تعتقد أن التاريخ الفني لم يبدأ في سورية مع المعهد العالي للفنون المسرحية، كما يحاول أن يصور البعض «لم يبدأ شيء من الصفر تاريخنا هو ما تم التأسيس عليه، ونحن من طالبنا بإنشاء المعهد».

منى واصف شاركت في عدد من أفلام القطاع الخاص ذات الطابع التجاري بين منتصف الستينات وأواسط السبعينات كيف تنظر إلى هذه التجربة؟ «لا أنكر هذه الأفلام، وأنا قدمتها في أوج مجدي المسرحي، كنت أتعامل معها كمصدر للمال، كان لدي وعي، ولذلك توقفت، مع كون اسمي بدأ يكبر».  لكن منى واصف كانت منذ البدايات هي الممثلة، ولم تغرها صورة الديفا، ولا فتاة الغلاف، أو الشابة الجميلة المعشوقة «لعبت أدوار الأم منذ البداية، كما في «أوديب» حيث لعبت جوكستا أم أوديب، أنا ممثلة مسرح، ولم ألعب على عامل الجمال، لذلك شهرتي بازدياد وهذا نادر، أنظر إلى جيلي في مصر. لم أخف من السن، كنت أماً في الحياة مبكراً، ودور المعشوقة لعبته في الحياة لا في التمثيل، كانت حياتي حلوة ولم يكن لدي عقد».

واليوم كيف تجد الممثلة الرائدة وضع الممثلة السورية «في الفترة الذهبية، كانت النساء يلعبن أدوار البطولة،  أما الآن فالكثير من الممثلين هم منتجون، وتكتب لهم الأدوار، إضافة إلى أننا نعيش في مجتمع ذكوري، والفن فيه ذكوري». وعن نفسها تقول: «لم أعتمد بحياتي على البطولة المطلقة إلا قليلاً، البطولة مشتركة في حين يبرز دوري، على المسرح فقط بطولة مطلقة. السن يقلل من الأدوار الجيدة، واليوم حين يأتيني دور طويل استغرب». وتضيف: «حين كنت أصغر وأبحث عن أدوار القوة، كان الناس يهابونني ويحترمونني، ويحبونني قليلاً، الآن وحسب أدواري وبحكم سني، الناس صارت تحبني أكثر، في الشارع الناس تدعو لي، ويقولون أنت أمنا وشامنا».

إلا أن منى واصف لا تزال محافظة على صورة المرأة القوية «أنا دائماً أوضع في ظروف تتطلب قوة فاكتشف نفسي، يقال عني امرأة استثنائية، أنا واقعية حين أشاء، وأحياناً حالمة، وأنا مقاتلة ومسالمة في آن. وأحياناً أشبه أدواري، أو أتقاطع معها»، إلى أي حد تؤثر فيها أدوراها، تضرب مثلاً «في مسلسل «الخنساء» حزنت كثيراً، وشعرت أنني كبرت، كنت في ثلاثينياتي، حين فرغت من الدور وقفت تحت الدوش، وصرت أقول «ما كبرت.. ماني زعلانة»، لم أستطع أن أخرج من الدور، مع أنني عادة أخرج، حزن الخنساء أثر بي لا الدور، كنت رومانسية وشفافة وهشة أكثر».

السيدة التي ذاقت طعم المجد ونالت الكثير من التكريم والاحتفاء تعتقد أن «الفنان وحيد، لأن حياته استثنائية، ولحظات الفشل والنجاح التي يحس بها تخصه وحده، داخلياً أنت لوحدك ولا أحد يمكن أن يشاركك، هذه وحدة المبدع، وهي الوحدة النبيلة»، لكنها تلفت إلى تكريم تعتز به هو وسام الشهيد غسان كنفاني الذي قلدها إياه المناضل الراحل جورج حبش.

منى واصف التي لعبت دور هند بنت عتبة في فيلم «الرسالة» 1975 للمخرج مصطفى العقاد، قدمت مرثية عفوية للمبدع السوري الذي قضى في تفجير إرهابي في عمان في العام 2005، في مهرجان دمشق السينمائي حينها، الذي نستذكره اليوم مع افتتاح الدورة الجديدة للمهرجان «ما قلته عن العقاد كان ارتجالاً، فقد تذكرت أوبريت «المخمل الأزرق»، للرحابنة ووديع الصافي وصباح، حين يحضر العاشق لمحبوبته المخمل الأزرق بعد أن أصبحت عجوزاً،  قلت «تأخرت كتير لعطيتي يا مواسم الزيتون» وبدأت من هنا، فعرض الفيلم وتكريم العقاد تأخر،وشعرت بحرقة عليه وعلى نفسي».