ربما: والصمت مأزق أيضاً

كيف تتمكّن الكتابة من وجع طفل محروق بالفسفور؟ كيف يرتقي الكلام، وهو كلامٌ فقط، إلى مستوى ما حدث ويحدث في مدينة سوّيتْ بيوتها بالأرض، وحوّلتْ إلى مقبرة جماعيّة لسكانها، بعدما كانت سجناً؟؟ كيف يمكن أن تكتب لحظات النّعاس المستحيلة في عيون أطفال تندك على رؤوسهم المنازل؟؟

ليس لهذه الأسئلة من جواب شافٍ، فما هو واضح أنّ الواقع أقوى من النصّ، وأنّ صورة هذا الواقع، كما نقلتها الشاشات، عنيفة وقاسية بما لا يمكن تصويره في نصّ، ذلك أنّ النصوص لن تغادر مستوى التعليق على ما حدث، أو الصراخ  أو الرثاء السطحي.. ولعلّ هذا المستوى هو ما يجعلها كتابة رديئة.. فالكتابة الحقيقيّة تأبى وتستعصي، دائماً ما تواجه الكاتب هذه النقيصة، ودائماً ما يتوجع نصّاً يأبى الخروج منه. للصورة فقط البلاغة كلّها، والحضور كاملاً، وعلى اللغة أن تؤجّل موعدها مرغمةً.. لا بد من الاعتراف بذلك، منّا نحن الذين لم ننتحر، ولم نذهب إلى المتاريس!! إذا ما تجرأنا على الحديث عن هذا المأزق الذي تضعنا فيه الأحداث، فحيث تتصارع فينا فوضى الأفكار مع الألم السّاخن والدموع، سيكون لنا أن نعترف بالعجز، لأنّ الكتابة  عن المذبحة، في لحظة المذبحة، هي مذبحة أخرى..

الصمت يليق بغزّة.. الآن، فلا معنى لقصائد عن موت مباح في الشوارع.. لا بد من تأجيج الصمت بدلاً من المرثيات التي يرثى لها، والكتابات التي تكرّس فكرة الغزل بدم لم نسفكه، ولم نشارك في نزفه.

لنعترف أن ما نحتاجه هو الصمت.. الصمت كي لا نسيء لهذه الأرواح الشريدة، والأجساد المختنقة تحت ركام الأنقاض، ولكن.. أليس الصمت مأزقاً أيضاً!!

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.