خليل صويلح خليل صويلح

ثقافة «الغرض بعشرة»!

كما لو أن كتاب المواقع الالكترونية، خصوصاً أصحاب التعليقات العابرة، وجدوا ضالتهم بهذه الصفحات الافتراضية التي لا تطالبهم بأية إمكانيات مهنية، فالركاكة وقلة الحيلة والتسلية تحكم معظم هذه الكتابات، إضافة إلى الجبن طبعاً بدليل أن الكاتب الافتراضي يختار اسم ريم البوادي أو كفاح، أو نضال، أو الفارس، كي يهرب من المواجهة، أو لأنه لا يمتلك رصيداً مناسباً يحمي اسمه الحقيقي.

في بعض المواقع السورية، وهي ديمقراطية أباً عن جد، نقع على مواد وتعليقات تشبه الحساء الفاسد في بعض مطاعم المرجة، وللدقة أكثر يمكن تسميتها «ثقافة الفشافيش».

أولى مزايا المثقف السوري المزعوم، وهو غالباً، لا يزال يناضل في صفحات بريد القراء، أو في عمود ركيك في صحيفة محلية من أجل لقمة العيش، هي الغيرة والحقد وانعدام الأخلاق، ونقص ذريع في فيتامين النزاهة.

مواد وتعليقات تشبه المبارزة من طرف واحد، لأشخاص متبطلين، يسلون سهراتهم بتسال من هذا النوع، نظراً لضعف إمكانياتهم في مواجهة الخصم مباشرة، فيلجؤون إلى تصفية حساباتهم بهذه الطريقة الخرقاء، أما أصحاب مثل هذه المواقع العرجاء، فيرحبون بمثل هذه الكتابات، تحت شعار يا «محلى زبون البلاش»، وإذا ببسطة من التعليقات التي تندرج تحت عنوان «الغرض بعشرة» تتسيد صفحات مثل هذه المواقع عبر فضائح وهمية وإشاعات مقاهٍ، وكراهية تندرج، هذه المرة، تحت بند إدارة معارك ثقافية، كما يعتقدون. شخصياً لا ألوم من يسلي عطالته وخيباته عبر هذا العالم الافتراضي، لكن لكل معركة أصولها، وأول هذه الأصول النزاهة واحترام الخصم، وللأسف فإن هذه البضاعة مفقودة من أسواق هؤلاء، بعد أن وصلوا إلى الحضيض.

إن الهجوم على مثقف ما، دليل على حضوره وتأثيره في المشهد، وهذا لمصلحته في نهاية المطاف، خصوصاً بوجود ورشة ضخمة تواكب كل ما يكتب، أو يُكتب عنه، لكنها تظل كتابة افتراضية ينقصها التحرير والمواجهة بوقائع مؤكدة. ثقافة هباء وتسلية، وتعويض عن نقص ذريع في تكوين الشخص نفسه، كما أنه إشارة على حجم الضيم الذي يعانيه من خصوصية، وربما نجومية، وجود الآخر في الساحة.

كانت مثل هذه المعارك والإشاعات بمستواها السوقي، تدور حول نجوم السينما والتلفزيون في الصحافة الصفراء، وبانتقالها إلى حقل الثقافة، فإنها تؤكد على نجومية بعض المثقفين أيضاً، وتالياً فهي تصب في مصلحة من تلاحقه الاتهامات، وإلا لماذا لايتعرّض مثقفو المكاتب في الصحافة المحلية، أو حكواتية الكتابة الروائية لأي هجوم، رغم هشاشة وضحالة ما يكتبون،أم أن مثقفي «الاستكتاب»، و«الرزق يحب الخفية» لايؤثرون في المشهد؟

مهرجو الوسط الثقافي، أصحاب ألف نكتة ونكتة لمن يروي عطشي بكأس جعة، يثيرون الشفقة حقاً، بعد أن خلت جعبتهم ثقافياً وأخلاقياً، فلجؤوا إلى العواء بديلاً من الكتابة.

 كان طه حسين أكثر من تعرّض للهجوم بسبب كتابته المغايرة ومشروعه التنويري، مثلما كان خصومه يحترمون قواعد اللعبة، أما معارك اليوم الافتراضية فتشبه مباريات كرة القدم في حارة شعبية: الكرة ممزقة، والحكم يقف خارج الملعب.

هكذا صار الكومبارس والمقاول الثقافي رئيس تحرير افتراضي يعشق الديمقراطية ويشرب حليب الرأي الآخر كل صباح، قبل أن يجلس أمام الكيبورد، كما صار المحرر المتمرن، وهاوي الشهرة، ومعاون سائق الباص، صاحب رأي يضيمه غياب السجال، فحمل شباكه للصيد في مستنقع، وعاد برائحة تزكم الأنوف.

آخر تعديل على الثلاثاء, 29 تشرين2/نوفمبر 2016 00:53