رمضان وحجازي يتجاهلان منجز الشاعر الفلسطيني مجلة «إبداع» المصرية تكرم محمود درويش على طريقتها
يحمل العدد الجديد من مجلة «إبداع» (عدد8 و7 صيف وخريف 2008) ما يشبه هدية مسمومة هي عبارة عن كتيب يضم مختارات من شعر الراحل محمود درويش، اختارها وقدم لها الشاعر المصري عبد المنعم رمضان، وتجيء مسألة اختيار رمضان لهذه المهمة لتطرح أكثر من علامة استفهام، فالرجل لا يخفي عدائه لتجربة درويش وقد عبر عن ذلك في أكثر من مناسبة كمقالته في ملحق «الجزيرة» السعودية المخصص لدرويش قبل سنوات،
والتي هي نوع من التحليل النفسي لشخصية نرجسية مريضة اسمها محمود درويش! وعاد رمضان إثر رحيل درويش ليوجه سهامه للشاعر الكبير دون احترام حتى للمناسبة، فكتب مقالاً في «الأهرام» بشر الشعراء بأن رحيل درويش قد أخلى لهم الساحة، ورأى أن شعر درويش هو شعر صوت فحسب. مجلة «إبداع» تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ويرأس تحريرها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، وإذا كان عبد المنعم رمضان يضع نفسه منذ عقود في تصرف أدونيس ويروج له فيرد الأخير التحية بأحسن منها ويعتبره الشاعر الأهم في مصر وهو أحد مريديه والسائرين على طريقته، فإن حجازي وبعد أن تقاعد من كتابة الشعر، فراح يهاجم شعراء قصيدة النثر، ظل يعتبر درويش منافسه الأكبر في قصيدة التفعيلة، التي شكلت قصيدة درويش النموذج الأرقى والأقدر على البقاء لها، بعد أن صار أبرز ما يكتب في الشعر العربي اليوم هو قصيدة نثر بالكامل تقريباً. وتبدو النوايا السيئة واضحة في تكليف عبد المنعم رمضان بإعداد هذا الكتيب الذي من المفترض أنه عمل تكريمي يجيء مع رحيل الشاعر، كما يبدو غريباً أن يحمل غلاف المجلة صورة للمخرج الراحل يوسف شاهين، والمجلة أدبية بالدرجة الأولى، وأن يتم التعامل مع غياب شاعر من وزن درويش بهذا الاستخفاف فلا يخصص له حتى ملف داخل العدد، ويكتفى بمقالتين عنه.
مقدمة عبد المنعم رمضان هي خليط مرتبك، مكتوب بنبرة ساخرة وتبخيسية، تلجأ إلى مقدمات غير صحيحة فلا تصل إلى نتائج، أو تصل إلى نتائج مغلوطة. فالكاتب يفرق بين الشعر الجميل والشعر العظيم، لكنه لا يخلص إلى القول إلى أي نوع ينتمي شعر درويش، كما ينظر إلى درويش على أنه شاعر غير مطبوع وقد أدرك شيئاً من الجمال ببذل الجهد والذكاء وفي سن متأخرة، وتستطيع أن تقرأ (غير مطبوع) على أنها غير موهوب، لذلك يتجاهل رمضان مرحلة الستينات من تجربة درويش، وهي التي ستثبت أن الشاعر امتلك موهبة مبكرة، بل أن من أبرز ما يميز درويش هو دفقه الغنائي العفوي والعذب، والذي مارس عليه نوعاً من التحكم في مراحل نضجه. أما المهزلة الكبرى فهي اتهام رمضان لدرويش بالسرقة فيقتبس مقولات متهافتة من علي حرب، يجد فيها نوعاً من التشابه بين جملة لدرويش وجملة للمفكر طه عبد الرحمن. كما يحيل عبارات درويشية إلى نزار قباني، وأدونيس وحجازي (رمضان يخدم هنا سيدين رغم الاختلاف الكبير بينهما)، وكأن كل منجز درويش يختزل في هذه العبارات المتناثرة، إلا أن الدعوى بحد ذاتها مفبركة ولا تعني شيئاً، لأن الشاعر لا يكتب بلغة أخرى على كل حال، والتراث الأدبي يتبادل التأثرات والتقاطعات.