ربما: الكازينو المنزليّ

ما تجود به الحضارة الحديثة علينا لهو في الصميم ضدّ أفكار التحضر والتقدّم. كيف لما نراه اليوم أن يكون حضارياً وإنسانياً ما دامت الدوافع التي يقوم عليها لا حضارية، ولا إنسانيّة؟؟ ما الذي يمكن قوله عن فضائيات الدرجة العاشرة التي نقلت الكازينوهات من أطراف المدينة إلى جميع البيوت؟

ظاهرة جديدة هي هذه الفضائيات. انظر إلى برنامج بثها المتواصل لتجد انها تقوم، أساساً، على فكرة تطويب الملهى، وتعميم حالة علب الليل، بحيث تندرج ضمن برنامج سهرة الأسرة، من جهة، وتعزيز فكرة المرأة الأمَة من جهة أخرى. إذاً هي صناعة تلفزيونيّة جديدة، وكل ما تحتاجه الآن هو أن تسمى، فلنسمها إذاً بـ«الكازينو المنزليّ».. وأجرنا على الله!!

راقصات بائسات جلبنَ من الملاهي، ليقدمن لنا مشهداً جنسيّاً ساخناً، بطول اليوم، لا في الليل وحسب كما تفعل المرابع الليلية، أمّا الفن فغطاء لا أكثر. والمغنون أسوأ بكثير من أن يعرفوا أبجدية الغناء، يقولون أي شيء، مع اختلاف عضوي طفيف، فحيث تجمع الأموال، في الواقع، عبر التحيات بـ«الخمسمية» أو «الألف» المحروقة، تتنطح لهذه المهمة، هنا، الرسائل القصيرة، وبدل أن تسمع، في الواقع، تحية جماعية من «شباب داريا إلى شباب خان الشيح»، وأخرى فردية «لأحلى عيون أبو الجود.. وأحلى طاولة عالبيست»، سوف تقرأ ذلك، وسوف ترى من الرسائل، التي تمتد من المحيط المغلوم إلى الخليج المكبوت، بما يوحي بأننا في كازينو كبير، وحرّ وجميل، هو الوطن!!

إنها لعبة من ألعاب تعهير المجتمع، فوراء الفضائيات التي تُقسَّم بين أصولية متعنتة، وإباحية مجونيّة سافرة، للمالك والصانع نفسه، بكل تأكيد، ثمة مشروع وأديّ للمجتمع، روحاً وعقلاً، عبر وضعه أمام خيارين واهيين، على أنهما طريقا الهدى والسداد، وما عليه إلا أن يختار ما يراه مناسباً، انطلاقاً من فكرة الديمقراطية، لكنهم ينسون أن الديمقراطية تستلزم خياراً ثالثاً ورابعاً.. وعاشراً، لأنها تعدّد وتنوع!!

■ رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.