ربع قرن ومازال يرعد بصوته: هبوا للنضال.. معين بسيسو.. جئت لأدعوك باسمك
قبل ست وعشرين سنة، وفي مثل هذه الأيام تقريباً، وضعت أزمة قلبية مفاجئة (طبياً) حداً لحياة أحد أكبر القامات الشعرية الفارهة، ولمناضل أساسي من مكونات النسيج الثوري الفلسطيني والعربي، وحتى الأممي، إنه الشاعر الفلسطيني معين بسيسو الذي توفي في لندن، منهية بذلك غربة مرة، وتنقلاً محموماً شابه الكثير من المطاردات والاعتقالات والنفي في أكثر من دولة أصعب مميزاتها أنها عربية.
معين بسيسو الاسم الحركي للحركة الشيوعية الفلسطينية، وسفيرها الذي رتل فلسطين نشيداً أممياً في كل أرجاء الدنيا، وكلمة السر: للمعركة والنضال في سبيل الاستقلال والتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية.
عرفته غزة التي أخرجته للعالم في طليعة الناس يتقدّم المظاهرات، بقميص مفكوك الأزرار عن الصدر، مرحباً بالموت، هاتفاً بشعره ومن خلفه الجموع رفضاً لمشروع التوطين في سيناء مصر، والمطالبة بالسلاح. لكنه حين غادرها ليلتحم بالمعركة التي استنسخ اسمها وضروراتها عنواناً لديوانه الأول خلجته النبوءة التي عبر عنها بقوله: «أخاف أن أموت تحت علم أجنبي»، وربما هي من سخرية القدر أن يموت تحت علم الدولة التي جلبت الاحتلال بوعدها المشؤوم على أرض فلسطين.
بين لحظتي الخروج والموت ثمة عمر زاخر بخوض معارك الثورة، وتأريخها شعراً يكاد يشكل في فهم «أبي توفيق» لوظيفة الشعر البنيوية دعماً لوجستياً للمقاتلين، كالذخيرة والتموين، قدمه على شكل دفقات من الشعارات الهتافية التي مازالت ترددها حناجر الثوار حتى اليوم كـ«قد اقبلوا فلا مساومة.. المجد للمقاومة»، و« أنا أن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في السلاح»، وبأسلوب وجداني يقوم على مبدأ السهل الممتنع؛ مما أكسب قصيدته الأشبه بترتيلة حزن لحالة الفلسطيني المشرد، والمحاصر، والمقاتل من أجل العودة والعيش بحرية وكرامة مثل بقية شعوب العالم، ونثره الذي تميز بالجمل القصيرة القاطعة الدالة، ومسرحياته الخالدة جمالية وخطاباً فكرياً وشعبية أغنت الأدب الفلسطيني بزخم هائل من القيم الإنسانية النضالية، في أعمال شعرية مثل: «المعركة»، «المسافر»، «حينما تمطر الحجار»، «مارد من السنابل»، «الأردن على الصليب»، «فلسطين في القلب»، «الأشجار تموت واقفة»، «قصائد على زجاج النوافذ»، «جئت لأدعوك باسمك»، «آخر القراصنة من العصافير»، «الآن خذي جسدي كيساً من رمل»، «القصيدة»، والأعمال النثرية: كـ«نماذج من الرواية الإسرائيلية المعاصرة»، « يوميات غزة - غزة مقاومة دائمة»، « أدب القفز بالمظلات»، «دفاتر فلسطينية»، «مات الجبل، عاش الجبل»، «الاتحاد السوفيتي لي»، «الشهيد البطل باجس أبو عطوان»،« 88 يوماً خلف متاريس بيروت»، والعديد من المسرحيات منها: «ثورة الزنج»،«شمشون ودليلة»، «تشي غيفارا»،«العصافير تبني أعشاشها بين الأصابع»، «كليلة ودمنة». بالإضافة للكثير من المقالات في الصحف والمجلات العربية وخصوصاً الزوايا وأسماؤها التي حملت خلاصة بنيته الفكرية وحاضنته الثقافية كـ «من شوارع العالم»في جريدة الثورة السورية، و»نحن من عالم واحد» في جريدة فلسطين الثورة، و أجملها وأشرسها «متاريس» في صحيفة «المعركة» التي صدرت خلال الاجتياح الإسرائيلي لبيروت 1983.
معين بسيسو كان في أصغر صغائر الإنسان قدوة ومثلاً للقائد الشيوعي والإنسان الذي ترجم قناعاته الإيديولوجية، والشاعر والمناضل الذي ربط أقواله بالفعل الثوري، هو الرجل الذي ما تصلب فكره رفضاً للآخر المغاير بالعقيدة أو بالإيديولوجيا طالما هو في خندق النضال؛ حيث كان مؤمناً بأن الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الحصن الراد لكل المؤامرات التي تهدف لضرب الثورة. فهو القائل: «فلنختلف ولتتسع كل الدوائر.. وإذا انقسمنا كل دائرة هي القبرُ الذي يلدُ المقابر».
معين بسيسو ما يزال كحال ملايين المترقبين العودة من أبناء شعبه فهو مدفون في القاهرة عاصمة إحدى الدول التي سجنته ونفته.. ينتظر تحقيق وصيته الباقية بعد بكل ما قدمه في حياته «الآن خذي جسدي كيساً من رمل».
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.