مطـــــبات: أمن الفقراء
آخر تقارير منظمة الفاو عن حالة الفقر في العالم تؤكد أنه تناقص هذا العام دون المليار فقير..
عربياً.. يقع اليمن الشقيق بين العشر الأوائل في العالم في سلم انعدام الأمن الغذائي.. أما هنا فتشير تقارير الفاو (البريئة المرضية لتبريرات الحكومة) إلى تعرض سورية إلى أكبر حالة جفاف تشهدها، مما قد يتسبب في مشكلات اقتصادية وإنسانية، آخرها كان هجرة مئات الألوف من الجزيرة السورية إلى دمشق والمحافظات الجنوبية، عدا عن تكبد الحكومة خسائر مالية واقتصادية على مستويين، الأول دعم الأسر المتضررة بسلال غذائية مستعجلة، وثانياً تضرر مواسم إستراتيجية كالقطن والقمح.
بالعودة إلى تقرير الفاو الذي يستثني من تعداده ضحايا الفيضانات الأخيرة في باكستان والصين والهند، والجفاف في أفريقيا (النيجر)، يبدو التقرير على هيئة وجه كالح للعالم المتمدن الذي ينظر إلى الفقر العالمي كرقم في تقرير، فالدول المانحة تنظر على سبيل المثال بتأن مريب إلى مساعدة منكوبي الفيضانات في باكستان متخوفة من ذهابها لخدمة الإرهاب، وهذا عار على العالم الذي يضع نفسه في خانة العالم الحر.
أما في عالمنا العربي فتعاني الشعوب ويلات التصحر، الانحباس المطري، والصراع على نقطة الماء، بينما تتنافس الحكومات العربية في تحقيق أرقام قياسية في ذيل قائمة الشفافية مرة، وفي قائمة الفساد الإداري والاقتصادي مرة أخرى.
محلياً كان بالإمكان أن تتلافى الحكومات المتعاقبة هذه النتائج الخطيرة والمنعكسات المتراكمة لأزماتنا الاقتصادية والاجتماعية، والإسراع في حلحلة منغصات صارت كوابيس دائمة. ألم يكن بالإمكان نقل بؤر التلوث المتوزعة على جانبي بردى المنحسر، ألم تقطع الدباغات ومعامل الرخام الحياة عن الأراضي المحيطة بها، أم تقتل آلاف الأشجار في غوطة دمشق، وحولت على مدار عقود من الإهمال ورغبات بعض الفاسدين أرض الغوطة إلى قطعة (جص) بيضاء، ونشرت روائح الدباغات الموت والكراهية حولها، لكنها إرادة بعض المستفيدين من تراكم الوباء حتى اختناق الجيوب.
المسؤولون على مستوى المحافظات يعزون التأخير في إنجاز هذه المشاريع إلى الأخطاء الفادحة في الدراسات الأولية للمشاريع الكبرى في الصرف الصحي، أو إلى من هم دونهم في المسؤولية، وقبلهم في تحمل النتائج، فعلى مدار عقود يتناول هؤلاء رؤساء البلديات، والمهندسين كعقبات في وجه تنفيذ مشاريع البنى التحتية، والفساد المستشري في الوحدات الإدارية، وكأنهم لا يستطيعون لهم حلاً.
أما على الأرض فالخراب يتسع، وبقعة السواد تغطي وجه الغوطة، ويتقاسم الفلاحون مياه الصرف الصحي لري مزروعاتهم التي تقتلنا بالسرطان والأمراض السرية، أما حراس النهر الأسود فيبيعون مياهه كأنها من عين الفيجة أو بقين، فيما الفلاح يبيع أخشاب الحور حطباً للشتاء، والحكومة تبيعه المازوت كمستثمر يملك الملايين لا التراب.
في بقية الكوابيس التي كان من الممكن تلافيها، الكهرباء التي نعيش معها لحظات احتفالها الشتوي والصيفي بالتقنين، والفاقد الكهربائي، والاعتداء على الشبكة، صورة أخرى عن الإهمال وإرجاء المشكلة، لنصل إلى الحاجة التي اقتادتنا إلى الخصخصة، أما المياه التي لم تعد تكفي حاجتنا من الاستهلاك للشرب فهي الأخرى أغرقناها بانتظار مواسم الفرج الإلهي، وتتحدث تقارير محلية عن نسب مرتفعة في تلوثها، أضف إلى ذلك مشاكل التلوث الأخرى كالتلوث بالكربون القاتل، والتلوث البصري.. وصولاً إلى أسماعنا.
أمن الفقراء في رقاب الأغنياء والحكومات، وهنا يمكن للحكومة أن تحد من وصول ثلاثة أرباعنا إلى هذا التصنيف، وليس في طموح هذا الثلث أن يكون في صف الأغنياء، زيادة على رواتب ذوي الدخل المحدود، حل أكيد عملي لمشكلات البطالة بشقيها الفعلي عبر إيجاد فرص حقيقية للعمل وعلى الخصوص أصحاب الكفاءات، وللمقنعة من اقتصاد ظل وسواه.
باختصار أكيد تتساوى معادلة أمن الفقراء مع أمن الأرض التي يعيشون عليها.