SALT استشراف سينمائي أم ضربة دعائية استباقية
هي المرة الأولى التي يتخيل فيها فيلم سينمائي مخططاً لاستهداف مكة المكرمة وعاصمة إسلامية بعمل إرهابي، واللافت أن العاصمة التي يتحدث عنها الفيلم هي عاصمة إيران التي تدور حولها حالياً نقاشات ساخنة لاستهدافها عسكرياً، أو الاستمرار في المفاوضات معها حول مشروعها النووي.
فسيناريو الفيلم يصور خطة لقصف طهران ومكة المكرمة بالسلاح النووي وضعها أعداء الولايات المتحدة (يقدمهم الفيلم هنا على كونهم من الروس) وجعلوها تبدو وكأنها من تنفيذ واشنطن بهدف قتل تسعة ملايين مسلم من القطبين الطائفيين الأساسيين، كي تقوم قيامة أكثر من مليار ونصف مليار مسلم حول العالم، وتشتعل حرب كونية مدمرة، وهو اختيار ذكي درامياً وسياسياً، ويتفق مع فكرة الفيلم الأساسية، وهي ضرورة البحث عن الأصابع الخفية المندسة في أمريكا والعالم التي هدفها ضرب المصالح الأمريكية، أو تشويه صورة أمريكا أمام العالم. لكن الغريب هو بعث الشبح السوفييتي الذي سيطر على سينما الحرب الباردة.
ينتمي الفيلم إلى نوعية الأكشن السياسي التي تتقن هوليود صناعتها، خصوصاً بحواملها الدعائية أو التنظيرية التي رافقت الحرب الباردة، أو كل الضربات الاستباقية العسكرية التي شنتها الإدارات الأمريكية. فبينما تتصاعد الأحداث بشكل سريع ولاهث.. نتابع تطورات الفكرة السياسية في الفيلم، والتي تشير إلى وجود عملية مخابراتية سرية تتم منذ أوائل الستينيات هدفها زرع عملاء سوفييت داخل المجتمع الأمريكي منذ الصغر، وتنشئتهم بغية وصولهم لمناصب مهمة وحساسة في الدولة الأمريكية في انتظار ساعة الصفر، وهو ما يطلق عليه «اليوم المشهود» أو «اليوم X». هذا ما يؤكده الفيلم بإشارته إلى أن «لي هارفي ازورلد» الذي اتهم باغتيال كينيدي كان أحد هؤلاء العملاء، وبعرض لقطات تسجيلية من الأرشيف لعمليات تجنيد وتدريب الأطفال/ الجواسيس في المعسكرات السوفييتية لإعدادهم كعملاء ميدانيين للعملية.
لهذا يعتمد الفيلم في بنيانه القصصي على السرد عبر الذاكرة «الفلاش باك» لتوضيح طبيعة تفكير الشخصية الرئيسية (عميلة المخابرات الأمريكية «ايفلين سولت» التي هي في الوقت نفسه عميلة روسية نائمة) ونياتها ومبرراتها الدرامية، خاصة أن الشخصية تكاد تكون شخصية صامتة خلال أغلب الأحداث، وهو ما يزيد من التشويق ويرفع درجة تركيز المتفرج من أجل التعرف إلى طبيعة وهدف ما يدور من خلال الحدث/ الصورة، وليس عبر الحوار، ويبدو اسمها الذي يعني «الملح» كدلالة درامية مهمة هي أنها كالملح ذائبة في المجتمع الأمريكي وبنيانه المؤسساتي. ومن هنا ركب السيناريو ومخرجه «فيليب نويس» هذه الشخصية بثلاث حالات إنسانية أدتها نجمة أفلام الحركة والإثارة «أنجلينا جولي» بتمكن كبير ساعدها على ذلك قدرتها على التعبير من خلال عينيها وملامح وجهها، ولياقتها البدنية التي أدت بها أغلب مشاهد الأكشن والمطاردات بإقناع كبير وأن كانت هذه المشاهد هوليودية مبتذلة بامتياز.
المهم هو توقيت إطلاق الفيلم والذي يأتي مباشرة بعد الكشف عن شبكة جواسيس روس في أمريكا تعود زمنياً إلى ما قبل انهيار الاتحاد السوفييتي. فهل هي مجرد مصادفة زمنية؟ أو أن السينما الأمريكية قد امتلكت استشرافاً للمستقبل.
ومصادفة غريبة أن يكون الفيلم الذي تم تصويره قبل عام قد استشرف هذا الحدث، وهو أمر يعيد طرح أسئلة حول مدى ارتباط السياسات الأمريكية بإدارات هوليوود ومنتجيها.