المسلسل التركي «صرخة حجر»:أول القصيدة.. كُفر!
بعد أن سبب عرضه على قنوات التلفزة التركية أزمة دبلوماسية بين تركيا وكيان الاحتلال، كونه العمل التركي الأول الذي يتحدث عن القضية الفلسطينية، ومعاناة الشعب الفلسطيني من واقع الاحتلال. أطلت شبكة الـmbc الفضائية على الجمهور العربي بنسخة مدبلجة للغة العربية من المسلسل التركي «الفراق» (بطولة: أردال بيشيك، أزرا أكين، أورجان أوجلو، زينب توكوشتحت) تحت اسم «صرخة حجر» كتتويج لسلسلة طويلة من الأعمال الدرامية الاجتماعية والعاطفية التركية (من النخب الأول وحتى العاشر حسب التصنيف التركي) وهي الجائحة الحالية التي استبدت بحياتنا في الأعوام والآونة الأخيرة، بشخوصها وأبطالها وأزيائها.. وحتى سماتها ومحدداتها الاجتماعية.
العمل الذي أثار عرضه هذه المرة على شاشة عربية ردود أفعال غاضبة داخل كيان العدو لعرضه للعديد من اللقطات التي يُقدم فيها جنود الاحتلال على قتل الأطفال الفلسطينيين، وهو ما دفع عدداً كبيراً من الإسرائيليين للمطالبة بوقف بث القناة داخل (إسرائيل)، ووصف المسلسل بـ«المعادي للسامية ويشوه صورة الجيش الإسرائيلي»، وهو ما توج بالهجوم الشديد الذي شنته عليه الصحف وبرامج التلفزة العبرية.
فمن حيث القصة والمبنى الدرامي يتناول المسلسل القضية الفلسطينية والواقع الفلسطيني الحياتي المرّ في ظل الاحتلال، وما يتصل بهذا الواقع من ظلال التجاذبات الدولية التي تسعى لإعادة إنتاجه من خلال قصة عدد من الأسر الفلسطينية التي تجمعها تداخلات الواقع (الاحتلال والمقاومة)، لتمضي وتحكي الكثير من الحكايات التي تتعدد باختلاف الشخوص دون أن تفترق في الجوهر، وهو رصد جوانب المعاناة والخسارات بفعل الاحتلال، وعلى هامش الحبكة الرئيسية يسلط المسلسل الضوء على بعض الأحداث كإفرازات حالة الانقسام والاصطفاف الحالي في الشارع الفلسطيني، ومسيرة الدعم التي بدأت من بريطانيا منذ عدة أشهر، إلى قرار الحكومة السويسرية منع المآذن، والأهم التركيز على الموقف والدور التركي الذي تبلور على خلفية عدوان غزة 2007 في دعم القضية الفلسطينية، ورفض سياسات الاحتلال، ومن هنا يظهر الخلل لا بل والمغالطة الشديدة التي حاول المسلسل إظهارها، وهي اعتبار الدور التركي بالمحرك الأساسي للعمل الفدائي والمقاوم في قطاع غزة، سواء كان من خلال الدعم المادي التركي الذي يمثله المسلسل بالاستفادة من ما يسمى بـ«الذهب النازي»، أي الذهب الذي قام هتلر في الحرب العالمية الثانية بالحصول عليه عنوة من اليهود، وهو يعود اليوم لنصرة المقاومة الفلسطينية، أو بالتنسيق الكبير بين القيادات التركية وقيادات المقاومة الفلسطينية الموجودة في تركيا!؟ وهو ما يكاد يظهر المقاومة الفلسطينية كمجموعات من الدمى تُحركهم قيادة سياسية تركية عليا تملك بيدها خيوط اللعبة كاملة، حتى يخال المشاهد للحظة بأن جميع مفردات العمل المقاوم في الأراضي الفلسطينية تدار من أنقرة.. من خلال حرب جواسيس بين الأتراك والصهاينة، وبفكرة مفادها أن العدو الصهيوني أخطأ في استفزاز تركيا. وليت الأمر يقف عند هذا الحد، بل يتعداه لتبني مجموعة من المغالطات الجغرافية والحياتية والقيمية، والتي تكاد تعادل بتأثيرها التشويه والإساءة.. بدءاً بتصوير إمكانية التنقل السهلة والسلسة بين قطاع غزة ومحيطه، وهو الذي يعاني أبشع حصار خانق في تاريخ البشرية. مروراً بما قدمه المسلسل من مشاهد تسيء إلى المناضلين وذويهم، كحادثة قتل الفتاة الأسيرة على يد أهلها لأنها تعرضت للاغتصاب على يد عناصر الجيش الإسرائيلي، وهو ما تشهد الوقائع بعكسه تماماً. وصولاً لمشهد انتحار الأم التي استشهد ابنها وابنتها فوق قبر ابنتها (بطلة العمل)، وهو ما لا تُدل عليه حادثة واحدة ذكرت في تاريخ الصراع.
من البديهي القول إنه لا يكفي أن يكون الموضوع مقدساً أو مهماً لكي ننتج عملاً فنياً متميزاً، بل على العكس فإن عملاً فنياً ركيكاً يعني تقزيم الموضوع الذي يتناوله وتشويهه، ومسلسل «صرخة حجر» وأن كان محاولة لصناعة «دراما الموقف»، إلا أنه تجاوز عيوبه الكبيرة على مستويات السيناريو بالغ الهشاشة، والإخراج الركيك، والتمثيل الذي لا يرقى إلى مستوى المسرح المدرسي؛ بمواقف مفبركة وغير مقنعة فنياً وموضوعياً، تكاد تذكرنا بالميلودراما الهندية في كثير من وجوهها، وخصوصاً القفز اللا منطقي فوق الواقع الاجتماعي الذي تتناوله، مع العلم بأن الواقع الفلسطيني بكل مفرداته يحوي العديد من القصص والحكايا التي تصلح لأن تكون مادة دسمة لأي عمل فني ودرامي.
الكثير من التفاصيل والمضامين السياسية والاجتماعية التي طرحها المسلسل تستحق التوقف عندها و لا يمكن القبول بها على أنها تنتمي إلى رمزية العمل الفني وإيحاءاته ولو من باب الواقع الفني المفترض والمتخيل.
وهذا يقودنا للسؤال عن رسالة العمل ودلالته وهل هي موجهة للداخل التركي؟ أم رسالة تركية غير مباشرة للعدو في أطار منظومة السياسة التركية المسماة «القوة الناعمة» تذكره بمغبة تجاوز الموقف التركي؟