النسخ العربية لبرامج تلفزيون الواقع
إن البنية التقليدية الكلاسيكية قيميّاً في مجتمعاتنا والتي ما زالت في إطار الحفاظ على الذات في مواجهة موجة التغيير القادمة من الآخر، ما زالت ضمن سياق لا يسمح للبعض حتى بالاطلاع على المادة الإعلامية الغربية التي تسوقها وسائل الإعلام العربية ضمن إطارات نسخ عربية، ومن هنا برزت جدلية دخول برامج تلفزيون الواقع إلى الإعلام العربي، ليقف المشاهد العربي إما كمتفرج ومستهزئ من هذه الثقافة الدخيلة مع إخفاء المتعة الذاتية في مشاهدتها، أو بموقف حاد رافض كلياً لهذه الثقافة الغربية، ولكن المفعول التراكمي وتكرار هذه البرامج ضمن سياقات مختلفة، وتعرف المواطن عليها وعلى دورها في بلدان منشئها، أدى إلى تخفيف حدة الوقوف في وجهها، بل وإلى متابعتها بشكل يومي، وجعل بعض برامجها حديثاً يومياً وخصوصاً لدى الجيل الشاب، وهذا ما وجدناه سابقاً لدى برنامج «الهوى سوا» على شبكةART والذي لاقى معارضة كبرى في البداية، ثم برنامج «الأخ الأكبر» على شاشة Mbc، وما نشاهده حالياً في فصول برنامج «ستار أكاديمي» الذي تقيمه فضائية LBC، والذي يحقق شهرة لا تضاهيها شهرة برنامج في العالم العربي.
ولكن إذا أمعنا النظر في تركيبة تلفزيون الواقع وفق النسخ العربية التي نطّلع عليها، والتي تختلف عما يقدمه الغرب ضمن نظام تلفزيون الواقع، وبعض أنواع التنشئة الاجتماعية القائمة على هذا النموذج، نجد أن الواقع بعيد عما تراقبه الكاميرا إذا ما أسقطنا هذا الواقع على منازلنا، فهل نحن نعيش كما عاشت الفتيات في الهوا سوا؟ وهل نشهد مجتمعاً مختلطاً كما يقدمه «ستار أكاديمي»؟ وإن لم يكن كذلك فهل هذا الواقع الذي تسوق له شركات الإنتاج، هو محاولة محاكاة مستقبل قريب يتم السعي لتحقيقه، للوصول إلى مجتمعات تعيش واقعها كما الواقع الذي يقدمه التلفزيون؟ وهل من المفروض علينا أن نحلم للوصول إلى هذا المستوى من الواقع الحياتي المعاش؟ فتكون اهتماماتنا وأحاديثنا وطبيعة علاقاتنا قائمة على قيم سريعة استهلاكية، وعلى علاقات عابرة يجمعها هدف واحد كما هو «ستار أكاديمي».
يقال عن برامج تلفزيون الواقع في فرنسا بأنها تكتشف أدق تفاصيل حياة الأجيال، فما هي التفاصيل التي يكتشفها في حياتنا ستار أكاديمي وسواه؟ وما هو مستوى الحس العالي الذي نصله من خلال برامج «التلفزيون الحميمي، تلفزيون الحقيقة، تلفزيون الواقع»؟ في الحقيقة النسخ العربية أبعد ما تكون عن أهداف تلفزيون الواقع الحقيقية، إن قلنا بأنه بالفعل يحتمل وجود أهداف إيجابية أكثر من المضامين السلبية التي يحملها في بنيته.
إن شاشاتنا من خلال تلفزيون الواقع، تحاول أن تطرح تساؤلات لدى الجيل الجديد من خلال السيطرة على عواطفه، وجذبه نحو متابعة واقع الحياة من منظورها، في محاولة لإثارة عواطفه، ومقارنة نفسه مع من يراه أمام الكاميرا، وتدعي تلك البرامج أن الأشخاص الذين تقدمهم، هم بيننا، ونجدهم في حياتنا بشكل يومي، وحياتهم هذه حياة طبيعية، إلا أن التعقيد هو الذي يسكن حياتنا نحن، لذا فمن الواجب التطبع وصولاً إلى الطبع العادي من خلال ما تقدمه برامج تلفزيون الواقع في نسخها العربية، معتمدةً على أساليب عاطفية، تسوق من خلالها لقيم العاطفة والحب والجنس وفق مفهوم غربي يهدف للسيطرة الفكرية على اتجاه الأجيال الجديدة، وتصوير الحرية والديمقراطية وفق مفهوم ساندويش الهامبرغر، لتضع الشاب العربي أمام تساؤلات هذه القيم الكبرى، وتقدم له أطراف الخيوط من خلال البرامج الغربية، التي في النهاية لا تحقق سوى الغربة الاجتماعية، ولا يتلامس مفهومها مع المفهوم البنيوي الحقيقي للحريات العامة والمجتمعات القائمة على أساس ديموقراطي، لتحقق تلك البرامج الهدف الأكبر في التأثير على الأجيال الجديدة والهدف الثاني وهو الربح المادي.
فإذا كانت شركة إندمول الهولندية والتي لا نعرف مدى ارتباطها بالمؤسسات الصهيونية أقامت برنامج ستار أكاديمي وروجته على 50 بلداً حول العالم، حيث لاقى البرنامج رواجاً كبيراً، وإن كانت الفكرة الأساسية للبرنامج هي البحث عن مواهب غنائية جديدة، فهذا لا يعني أن نقدم الحياة الواقعية في منطقتنا وفق مفهوم تلك الشركة عابرة القارات للمجتمع الإنساني وطبيعة الحياة ضمن جدران المنزل الواحد.