خالد الهبر: أغنِّي للمُهمَّشين.. ولم.. ولن أخرجَ من جلدي
شارك الفنان اللبناني الملتزم خالد الهبر في إحياء الاحتفال بالذكرى الـ85 لتأسيس الحزب الشيوعي السوري الذي دعت إليه اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين، والحزبان الشيوعيان السوري واللبناني، التقته «قاسيون» عقب الاحتفال، وكان الحوار التالي:
• الأستاذ خالد الهبر، ما الضمان الذي صانك من الانزلاق إلى مواقع أخرى وهو ما حدث مع بعض الفنانين اللبنانيين، الذين عادوا إلى مربعاتهم المجتمعية الضيقة بعدما عرفوا في فترات سابقة كفنانين ملتزمين يساريّ الهوى؟؟
أظن أنه الوعي السياسي أولاً، ثم تربيتي وتنشئتي في المقام الثاني، فلقد تربيت في أسرة شيوعية نشرت المحبة في البيت، وعلمتنا السلوك النظيف خارج الطوائف والمذاهب.. لقد صانني هذان الأمران من الانزلاق، وجعلاني أبقى صامداً ولا أخرج من جلدي.
• هل لذلك علاقة ببقائك بعيداً عن الأضواء لفترة طويلة؟؟
الصمت بحد ذاته موقف. صمتت في التسعينيات، وهذا أفضل من أن تعمل من أجل أن تعمل. فضيلة الصمت أنه يجعل الفنان يخرج بجديد.
• ما الجديد في ألبوم «هيدا زمانك» في مقياس تجربتك العريضة؟؟
لا نستطيع أن نقول إنه ثمة جديد من ناحية المضمون، فأنا أنطلق من الجذور نفسها وأمضي في الاتجاه ذاته، لكن «هيدا زمانك» يمثل حالة كنت أعيشها قبل أسطوانة «مع الوقت بتنسى».. إذ يوجد فيه الكثير من الغضب والمباشرة نتيجة الأوضاع المقرفة التي نعيشها. المغني الملتزم مثلي من المفترض أن يذهب إلى موضوعه كما هو، وشخصياً أحب هذا الغضب.
• هل هو استعادة للغضب الذي رصدته وعبّرت عنه في السبعينيات؟؟
صحيح، هناك استعادة للوعي السياسي الواضح والأحلام القديمة التي تخلينا عنها في فترة ظلام عالمي، وأعني (لبنانياً) الفترة ما بين اتفاق الطائف وعام 2000، وهي الفترة التي اعتقد فيها الناس أن الحروب انتهت والقضايا حسمت، وأن مهرجان الفرح قد بدأ ولذا يجب نسيان الماضي، وقتها اشتغلت «مع الوقت بتنسى»، كي أقول للجميع إنه لا يمكن النسيان، هل ما جرى سهل إلى هذا الحدّ؟؟ من ينسى كيف ذهبت حياتنا في الحروب؟؟ ثم على ماذا تراهنون الآن؟
من حيث الإطار الفني هل ما تزال المغني الذي يحمل قيثارته ولا يؤمن بالتوزيع؟؟
أظن أن التوزيع الذي أعمله كاف للنوع الذي أغنيه، فالأغاني القصيرة تصل إلى القلب مباشرة بفضل شكلها ومضمونها، وهذا هو رهاني.
يقال إن ميلك نحو التبسيط يجعل الآخرين متفوقين عليك، فأنت أردت أغانيك بسيطة ومفهومة لأنك تغني للبسطاء ما أثّر على جودة اللحن والأغنية ككل، فيما ذهب الآخرون إلى إلباسها نوعاً من التعقيد، فتميزوا؟؟
لا أرى ذلك صحيحاً.. والتبسيط عندي لم يؤثر على الجودة لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.. فحتى لو عملت أغنية كاملة على آلة واحدة تصل الرسالة، السر ليس في الكم والشكل فقط بل في النوع أساساً، هناك أغان مهما عملت لها تبقى أجمل على آلة واحدة، وهنا لا تنفع كل البهرجات. أأسف كثيراً على من يفاخر بأنه عمل مع ستين عازفاً بهدف تزييني..
• من أين جاءت السهولة والبساطة إلى جملتك الموسيقية؟؟
أنا ابن مدرسة موسيقية متعددة الوجوه، فمن جهة أدين للمدرسة الرحبانية، ولا تنس أن أهم قيم فن الرحابنة هي البساطة.. وكذلك أنا ابن المدرسة الفرنسية التي تتميز بالأمر نفسه، وكذلك المدرسة الانكليزية والأمريكية اللاتينية.. والمدرسة المصرية، خصوصاً الشيخ إمام، كلّ هؤلاء كانوا بمثابة خلطة ربتني على شيء نتاجه ما قدمته.
• أنت كغالبية الفنانين لديك مشكلة في الإنتاج، وربما تتفاقم المشكلة عندك أكثر كونك مغنياً ملتزماً..
• أولا لست غزير الإنتاج.. مثلاً مجموعة «هيدا زمانك» بدأت بها في العام 1992 وانتهيت منها في 2003.. لست أرضى عن أغنية بسهولة..
لكن مشكلات الإنتاج موجودة دائماً، ويعاني منها الجميع، أنا محظوظ حالياً كوني تعرفت على شركة إنتاج قررت أن تنتج لي كل أعمالي من الآن فصاعداً وهي شركة «ساوند ديجتال». التسويق صعب بسبب القرصنة، خاصة وأننا نعتمد على المبيع في الخارج.
• هل تعتقد أن وجود الجهة المنتجة سيجعلك أكثر غزارة؟؟
نعم.. أحياناً أنجز أغنية ولأنني لا أسجلها أقف عندها ولا أفكّر بشيء جديد.. هذا يعيق كثيراً..
• على المستوى الشخصي ما اهتماماتك.. ما هواجسك؟؟
هواجسي سياسية كأغانيَّ، وأكثر ما أهجس به هو تحصين النفس من أجل الاستمرار بالنَفس نفسه، حتى من الناحية الصحية.. الآن للأسف ربما لا أحد غيري يعمل هذا النوع من الفن.. كان من المفترض بعد ثلاثين سنة من تجربة الأغنية الملتزمة بقضايا الناس وهمومهم، أن يخرج جيل جديد يتبناها... لكن العكس هو ما يحصل الآن..
• أنت غنيت الفصحى والعامية.. عندما تكون أمام نص.. كيف تشعر بأن هذا النص لك، وأنك يجب أن تغنيه؟
أي شيء يعجبني يمسكني.. يؤثر فيّ.. أحبّ الصدمة.. أحب أن أصدم الجمهور، ولكن أولاً يجب أن تصدمني الكلمة..
• هل تذمرت من الجمهور؟؟
لا.. إلا مرة واحدة فقط في مدرسة لبنانية للجالية الأمريكية، غنيت لهم ثم اكتشفت أن لا أحد منهم يتكلم اللغة العربية!.
• لا تزال مؤمناً بالمقاومة والرفض.. وبالفقراء والمهمشين.. ألم تتعرض لإغراءات تريد أخذك إلى الجانب الآخر؟؟
الإغراءات كانت دائماً موجودة.. وهي موجودة الآن وستبقى.. ولكن وعيي، كما أسلفت، هو بمثابة البوصلة، وهو ما يشكّلُ لي الحماية من ارتكاب الأخطاء..
• تمر في أغانيك جمل عاطفية.. كيف يتم ذلك مع شحنة الغضب؟؟
أجمل شيء هو التنوع على مبدأ وحدة وصراع الأضداد،... بين الفكرة العامة وكيفية تمريرها، وهذا ما يساعد على الصدمة، لأنك تجمع بين الحنان والصخب..
• ما رأيك بالتجارب الملتزمة الآن؟؟
غير موجودة.. أنا لا أسمع بها..
• سميح شقير مثلاً؟؟
سميح جميل.. الآخرون توقفوا..
• هناك أغنية ملتزمة جديدة تغني لأشياء إنسانية دون مباشرة.. ألم يحن الوقت لكي تتطوّر الأغنية الملتزمة؟؟
الأغنية الملتزمة متطورة بأغراضها ومواضيعها وبطريقة توزيعها، أكثر من سواها، هي سابقة زمانها..