2010 مـونـديـال الجـوع
الكرة وحدها قادرة على الخوض بحوار سيصل إلى نتيجة بين أقدام السود والبيض. وإن شكك البعض بالحكم. وحدها ستلعب دور البطولة وتجلس على عرش أسسه زعيم عالمي لمقاومة التمييز العنصري.
ما يفرقه العالم ستجمعه كرة القدم. إلى أي حد تبدو هذه المقولة تتناسب مع ما يدور اليوم في جنوب إفريقيا؟
توجهت أنظار العالم بأسره إلى البلد الأخطر حسب آخر الإحصائيات لمعدل ارتفاع الجريمة والتي تصل إلى 10 %.. الجهة واحدة والأنظار موحدة. البعض من عشاق الكرة والآخر من الممسوسين لمتابعة آخر قضايا الإجرام في العالم، حتى لو كانوا من صانعيه.
ربما الكرة وحدها من لا يعرف التمييز بين قدم سوداء وبيضاء. ولم تكن من مشكلاتها على الإطلاق يوماً هذه المقارنة الخاسرة.
فالكرة لا يهمها ارتفاع نسبة الجريمة في البلد الذي ينتظر عرسها، ولا تخاف من انتشار مرض نقص المناعة المكتسب، ولا حتى تهمها كثرة المواخير والقوادين والعاهرات، حتى إنها لا تهتم للدقائق العشر أو الأكثر قليلاً لحضور زعيم كبير ناضل ضد التمييز العنصري لأكثر من خمسين عاماً افتتاح عرسها الكروي.
حتى لا تبدو مهتمة بتحويل أكثرية أبناء البلد الذين حصلوا على حقوقهم الانتخابية منذ ما يقارب العقدين إلى عبيد بيد أقلية بيضاء، ولا يعنيها سقوط نظام التمييز العنصري، ولا تكترث كثيراً بقوة اقتصادية كبيرة لبلاد يلتهم الفقر أبناءها. ولا تراهن على من فاز بحكم البلاد، ولا جلوس رجل أسود على كرسي السلطة.
حتى ما يدور خلف الكواليس كما في مسرحة العالم بأن أقلية بيضاء لا تزال تحرك البلاد كأحجار الشطرنج محاولة إشباع هوسها بالمال، أما الحكم بالمعنى النظري فلا تهتم به.
ما الذي تستطيع فعله منظمة الفيفا العالمية والأمن الوطني لبلاد تغرقها الجريمة سوى تعيين المزيد من الحراس الشخصيين لزوار البلاد من سائحين ومشجعين، وترك باقي الشعب الفقير يموت كيفما يختار، فالإيدز والجريمة والقتل والدعارة والسرقة طرق شرعت بقوانين حكام العالم؟؟.
كيف ستبدو الصورة لو تخيلنا العمال السود بمناجم الماس المعروفة بالبلاد والتي يمتلكها البيض، يبحثون في أحجار الماس عن رغيف خبز.. رغيف خبز واحد، واحد فقط، لهم وحدهم دون حساب لقمة واحدة للآخرين؟. وهذا ليس بخلاً لكنها إستراتيجية حياة، فتكاليف الأسرة لا يستطيع تحمل أعبائها رجل أسود، والطرق المتاحة له هي التالية:
ـ أسرة واستقرار، وفي هذه الحالة سيتحول على الرغم من أنفه إلى قاطع طريق، خاطف، سارق.. لا ليمتلك الشقق الفخمة والعقارات والأموال، بل لسد الأفواه بالحد الأدنى من متطلبات الحياة، رافضاً الموت جوعاً. وبالتأكيد لن يفكر حينها هؤلاء بالانتخابات كثيراً، ولا المشاركة السياسية، ولا بالاقتصاد «القوي» الذي تنعم به البلاد. عندها تنشط منظمة حقوق الإنسان بحق الإنسان في الحياة.
ـ الطريق الآخر المتاح لكي لا يتحول المحروم من كل شيء إلى خاطف وسارق ومجرم سيكون لا للأسرة. والحاجات البيولوجية الأساسية للإنسان توفرها بيوت العاهرات المحمية أكثر حتى من قصور الأثرياء، وهناك لا قانون قادر على ضبط نقص المناعة المكتسب من التجول في تلك الأجساد.
هؤلاء الذين نصبوا مانديلا الزعيم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، نسوا مع الدخل العالي الذي لا يغطي ربع احتياجات المواطن العادي، من هم؟.. نسوا ما ظل مانديلا يطالب به حتى في سنوات سجنه.. بات رجاؤهم في هذا العالم فقط سد الرمق قبل التحول إلى مجرمين، مدركين تماماً أن هناك من يرسم لهم طرقاً تبدو كبرامج الكمبيوتر.. المبرمج لوضع كل الطرق ونهايتها أمامهم، وهو يتابع بحذاقة اختيار الشعوب لمصيرها، يعرف تماماً الاختيارات إلى أين تودي. ويوهم الجميع بحق الإنسان بالاختيار: أنت مخير بالكامل، لكن بالطرق التي رسمتها أنا لأصل إلى أعلى نسبة من الأرباح، فيما أخبئ الباقي في أقفاص الجرذان تهيؤاًً للتجربة التالية!.