بين قوسين: العلم بدولار!
عند سور معرض دمشق الدولي القديم، حيث تبث هذه الأيام، مباريات المونديال، عبر شاشة ضخمة وفّرتها المحافظة كخدمة مجانية للجماهير المحتشدة، كان البائع يصيح بأعلى صوته «العلم بدولار»، ثم يضيف موضحاً «بخمسين ليرة». خلافاً لأي مونديال سابق، فإن ظاهرة حمل الأعلام ازدادت أضعافاً، فلكل فريق رياضي مشارك جالية سورية شديدة البأس، تدافع عن علم بلادها المتخيّلة دون هوادة. يدخل شاب ما إلى مقهى، وقد لفّ كتفه بعلم فريقه المفضّل، بمشية خيلاء، وكأنه هو من حقق أو سيحقق الفوز لفريقه.
لست ضد هذه الحمّى الكروية باعتبارها تعويضاً افتراضياً عن خسائر حياتية جمّة، يعيشها المشجّع بأشكال مختلفة، لكن أن يصل الهوس إلى التماهي التام بعالم كرة القدم، وأبطالها، وتاريخ هذا اللاعب أو ذاك بما لا يقارن بحفظ أسماء أبطال مقاومة وشهداء، أو مفكرين. لا أرغب أن ألقي خطبة لاذعة في هذا السياق، ولكن هذه الظاهرة تستحق العناية والتأويل، كأن تمشي في الشارع وتتخيّل رؤوس هؤلاء المقاتلين الأشداء مجرد كرات فارغة، تمكنت الدعاية الكروية من حشوها إلى آخر نبض، فالمسألة بالنسبة للشركات الإعلانية، لم تعد تتوقف عند حدود تصدير نوع من المياه الغازية، أو نوع من الألبسة والأحذية الرياضية، بل وصلت إلى تفصيل المشجّع المدمن، المشجع الجاهز للانقضاض على أية سلعة يفضلها فريقه المقدام. ربما علينا أن نقرأ السبب من بابٍ آخر، هو غياب الفريق المحلي الذي يملأ الملعب بمهاراته الكروية، ويخترق الحدود إلى مباريات دولية، تعيد للكرة الوطنية ألقها في الساحة، أما أن ننخرط كلياً في هذه الحمّى، فالأمر يحتاج إلى وقفة متأنية.
مرةً أخرى، وبخصوص الأعلام المستوردة التي تباع بدولار، أو ما يعادل خمسين ليرة، حسب بورصة البائع، نتساءل: هل الهوس هو من أوصل كل هذه الأعلام إلى بلادنا، أم أن هناك أسباباً أخرى، جعلت هذه الجاليات تتجوّل في شوارعنا، وكأنها قادمة من كوكبٍ آخر.
أقول لنفسي، طالما أن العلم بدولار، يجب ألا نخشى على العلم الوطني!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.