ربما ..! الشعر في يوم عيده
يصلح «يوم الشعر العالمي» أن يكون فرصة للتبصر في «صنعة الشعر»، كما يسميها بورخيس. ولأنه لا بد من قول شيء ما في هذه المناسبة، من باب الواجب على الأقل، علماً أننا في مناسبات كهذه لا نقع إلا على مقالات أغلبها في باب الاحتفاليّ والمبذول فإن السؤال الذي يطرح نفسه تلقائياً: هل لا يزال هناك شعراء، بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، من حيث تفرّغهم لكتابة القصائد واصطياد الجمل، والسكن في اللغة؟؟
الجواب: بالتأكيد لا.. لم يعد هناك شاعر، هناك فقط شخص يكتب الشعر، أو بمعنى أدق: يكتب وحسب، دون إيلاء اهتمام بالتصنيف، هناك نصّ، وهذا وحده يكفي. كما أنّ أحداً لم يعد بريئاً من فنون الكتابة الأخرى، على الأقلّ من شبهة المقال. لا بدّ من نوافذ جديدة.. لا بدّ من هواء مختلف دوماً.. ما يمكن أن نؤمن به حقاً أنّ هناك كاتباً، وهناك كتابةً، أمّا الجنس الأدبيّ فليس سوى تجلّ للذات الإنسانيّة في إطار ما..
لتكن الكتابة كلها ذاكرة العالم، وليس الشعر فقط كما يقول بورخيس في حديثه الطويل عن الصنعة.. والكاتب، أياً كان منصوصه، هو الأمين على هذه الذاكرة، لذا عليه صيانتها بشتى السبل. لكنّ الميزة ـ التي ندركها ولا ندركها، أو التي تدركنا ولا ندركها ـ أنّ لحظة الكتابة لحظة نسيان، نعم نسيان كامل، لا بدّ للكاتب آناء النصّ من نسيان العالم، كي يخربطه، ويخطئه. لا بدّ من نسيان العالم من أجل إعادة خلقه في اللغة.. فلينسَ الجميعُ العالمَ كي نكتبه، حين نكتب، وكأنّنا نتعرفه للتّو.. لنكن نسّائين إذاً كي نكون أكثر أمانة على الذاكرة..
يبقى الشعر.. أعني تبقى الكتابة.. وإن ابتعدتْ قليلاً عن حياتنا الطائشة فإنما لأنها وجدت نفسها زائدة عن حاجة الصوت، مما قادها إلى تلبية نداءات الصمت، منتمية أكثر للكائن الإنساني، هذا الذي يُنظر إليه على أنه مركز الأكوان، مع أنه منسي ومهمل في زحام جنون القوة والاستهلاك والتسطيح، وفي هذه الحال هما (الكتابة والإنسان) متماثلان في المصير.
مع ذلك يكفينا للاحتفال بـ«يوم الشعر العالميّ» أنّه ما يزال صوت رغباتنا الدموية في مواصلة الحياة، ووصل ضفافها المتباعدة. فلنحتفل به إذاً، كما لو كان صديقاً في عيد ميلاده..
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.