ربما ..! ماذا يريدُ المالُ منَّا؟؟
من الغريب حقاً، في زمن الانقلابات العجيبة الذي نعيشه، أن يعني المال ما يمكن أن تعنيه الحرية أو الحبّ، وأن يرقى مالكوه ـ حسب ما تكرسه الميديا ـ إلى مصاف رجل الفكر والأدب.. وأن يشكّل لنفسه قاموساً قيميّاً يجعل ممن يحوزه حائزاً بالضرورة على القيم الإنسانية كافةً، بحيث أن امتلاكه يمكّن صاحبه من الحصول على كلّ شيء، مما أمكن أو حتّى مما لم يمكن.
هي جائحة لعينة تشتد مفاعيلها الشعبية، لدرجة أن أحاديث الناس كلها ملتاثةٌ به، رغم أنه، كمادة حقيقية، غير موجود إلا في أحلام الذين أضنتهم الاندفاعات وراء هذا الوهم دونما طائل. هذا ما أوصلتنا إليه رأسماليّة الألفيّة الثالثة في نهبها لكلّ ما هو إنساني، وفي سفك قطرات الدم الأخيرة من معنى الوجود كتشارك وتكامل، حين أحّلت مكانه مفاهيم البيع والشراء قيماً بذاتها، وحين حوّلت العالم إلى سوق كبيرة بدل أن يكون بيتاً، مما جعل الكثيرين، كي لا نعمم، يظنون أن بإمكانهم شراء الطمأنينة، وحيازة القوّة، وامتلاك السعادة.. فهل هذا يعني أنّ هذاالهراء قابل للعيش؟
عصر انقلاب المعاني وأفول الإنسان جعل المال سيّداً بلا منازع على عرش هذا العالم. هذا ما يتحدّث به الباحث أكرم زيدان في كتابه «سيكولوجية المال» الذي يتناول بالعرض والنقد والتحليل آليات تحوّل الثروة إلى هوس، والثراء إلى هيستيريا يعيشها أهل هذا العصر.
لا شكّ أننا نحتاج هذه الوسيلة وقوداً لمعاشنا، لكننا لا نريدها حلماً يجب تحقيقه بأية طريقة كما هو حاصل الآن، فالواقع الرثّ يرينا عبوديتنا في المرآة، انظروا كيف تلوّثت أحلام البشر تحت مفاعيل هذه الحمى التي تتفاقم، وفيما تتفاقم تقلّ نسبة الإنسانيّ في الإنسان ترتفع مؤشرات التوحش والجنون من جهة، ومعدلات الخضوع والتسليم من جهة أخرى!!
أذكر أن دالي، الرسام سلفادور دالي، كان يقول إنه يرغب بامتلاك الذهب حتى لا يمتلكه (يقصد الذهب).. ما حدث أننا لم نمتلك الذهب.. بل امتلك أحلامنا.
■ رائد وحش
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.