«عيلة خمس نجوم» علامة كوميدية فارقة
من حيث المفعول التراكمي أدى تحميل الدراما السورية قيماً وأفكاراً كبيرة، ربما بما لا تقدر أن تحمله، وخوضها في موضوعات غير سابقة الخوض، إلى افتقارها إلى الكثير من النماذج الدرامية التي سادت في فترة من الفترات، والتي لم تهدف إلى زرع ما تهدف إليه النماذج الحالية من الدراما السورية، بقدر ما كان هدفها هو ملء ساعة البث بما هو ممتع وغير مجاني، وربما هو الأداء الأقرب على الدراما ذاتها كفن.
«عيلة خمس نجوم» مسلسل كوميدي بحلقات متصلة منفصلة، تقوم شاشة «الدنيا» بإعادة عرضه خلال الفترة الحالية، وربما هذه الإعادة نبهت إلى هذا النموذج الذي لم تعد تخوضه الدراما السورية بشكل فعلي، باستثناء تجارب قليلة جداً ونقصد هنا تجربة «ضيعة ضايعة».
يتميز هذا العمل الدرامي الفريد من نوعه «عيلة خمس نجوم» بخصائص لم نرها في غيره استطاع أن يكرسها الكاتب والمخرج، من خلال امتلاك زمام العمل الفني، وحبك المسلسل بأسلوب يمكنهما من خلاله تجسيد هذه الأساليب الفريدة التي تم اتباعها، ومن أهمها (اللوكيشن) الواحد، فلا تخرج تلك الكاميرا خارج بيت أم أحمد بلاليش، وهي مهمة صعبة التحقق إذا لم يكن بين يدي المخرج نص فريد، قادر على ضبط الحوار والحدث الدرامي ضمن مكان واحد، وارتباطه بالخارج تمثيلياً، وقدرته على تجاوز مشكلة الملل من طول المشهد أو ثبات التفاصيل، وهذا بالفعل ما استطاع أن يحققه هشام شربتجي عن طريق نص حكم البابا، فيظل طول بعض المشاهد في العمل إلى أكثر من ست دقائق وهو بالعرف الدرامي مشهد طويل إلى درجة الملل، إلا أنه بحكم وحدة المكان أدى إلى ضرورة اتباع هكذا مشاهد، وهنا يلعب الحوار الدور الأهم في جذب الانتباه إلى المشهد الطويل دون التركيز على الوقت الذي خاضه هذا المشهد، مرتبطاً بمشهدٍ آخر قد يبدو أكثر طولاًُ منه، ومتفرعاً في النهاية عن حدث واحد يحكم الحلقة الواحدة، وهو غالباً حدث بسيط جداً يرتبط بإحدى الشخصيات الخمس، كمرض أحدها أو تغيب أحدها عن المنزل، أو دخول أحدها مجال عمل جديد، وهذه البساطة الطاغية على الحدث تتطلب أيضاً نصاً قادراً على الإمتاع من خلال الحوار حول الحدث وليس من خلال الحدث ذاته.
كل تفاصيل العمل تنضح بالبساطة، من النص إلى الحدث إلى أسلوب التصوير إلى أداء الممثلين، إلا أن هذا التكامل ينم عن عمل درامي غير بسيط، وفي مرحلة زمنية لم تكن قد وصلت فيها تقنيات العمل التلفزيوني إلى إمكانات كبيرة، يمكن من خلالها تجاوز الكثير من أزمات العمل، والقدرة على خوض أي نص يتم عرضه على المخرج.
استطاع المخرج من خلال الإمكانات البسيطة في تلك الفترة أن يقدم وجبة درامية خفيفة على ذهن المشاهد وممتعة بآن واحد، مستغلاً من حيث لا يعلم عدم سيطرة حالة درامية معينة وفكرة راسخة تؤطر الدراما في إطار رسالة توجيهية قيمية كما هي الأحوال في هذه الفترة، ومستغلاً أيضاً من حيث لا يعلم بساطة الفنان السوري، وقدرته على الأداء البسيط الخالي من محاولات تكوين وجهة نظر حول ذاته، أو تقديم حقيقة ذاته من خلال العمل الدرامي، أيضاً كما هي الأحوال في المرحلة الدرامية الحالية، لذا فكان للمخرج أن تتهيأ الظروف المناسبة لتقديم نص بصعوبة هذا النص الذي حمله، وتجاوز عقبات التأطّر المكاني وبساطة الحدث ليقدم بالفعل من خمسة أفراد نجوماً رغم أن ما يمر بهم من أحداث لا تبدو على درجة كبيرة من الغرابة وغير مبالغ بها إلى درجة تقديم فكرة بهدف الإضحاك فحسب، ليكون عائلة من خمسة نجوم أدى نجاحها إلى استمرار التجربة في عائلات أخرى للمخرج نفسه.