الدورة 82 لجوائز الأوسكار: «آفاتار» و«خزانة الألم» أبطالاً للسينما الكولونيالية
تحت شعار«لن ترى أبداً أوسكاراً مثل هذا» انطلق يوم الأحد الماضي حفل توزيع جوائز الأوسكار الذي تقيمه «الأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون السينمائية» بنسخته الـ82؛ لينهي بنتائجه التي حملت الكثير من الدلالات وعلامات الاستفهام؛ سباق المنافسة المحموم الذي يعصف بعالم الفن السابع كلما اقترب موعد الحفل.
أوسكار هذا العام لم يكن بعيداً بأجوائه التحضيرية وترشيحاته عما يرافقه عادة من تجاذبات وتكهنات، وإن كان القائمون عليه قد حاولوا إبراز كل مظاهر الترف والديكورات الباهظة، في إحالة على أن هوليود وسوق الفيلم الأمريكي عموماً قد تجاوزا أثار الأزمة المالية العالمية، وحالة الركود التي خلفتها.
ترشيحات هذا العام وخصوصاً لجائزتي «أفضل فيلم» و«أفضل إخراج» نقلت إلى دائرة الضوء صراعاً ضروساً يخوضه اثنان من عمالقة الإخراج في العالم، وهما «جيمس كاميرون» بفيلمه«آفاتار» والذي نعت نفسه بـ(ملك العالم) بعد فوز فيلمه الشهير «تايتانك» برقم قياسي من حيث جوائز الأوسكار التي حصدها، وزوجته السابقة «كاثرين بيجلو» وفيلمها «خزانة الألم» الذي أوصلها لتكون أول امرأة تفوز بجائزة الأوسكار لأفضل إخراج منذ منحها الأول عام 1929، وليحصد الفيلم ست جوائز أهمها أفضل فيلم.
مشروع الخلاص الأمريكي
إن أي تتبع لمسيرة السينما الأمريكية طيلة عقود صناعتها سيقودنا إلى الارتباط الوثيق بين مسارات ومقولات هذه السينما وجوائزها، والسياسات الأمريكية الداخلية والخارجية، وكثيراً ما لعبت هذه السينما، خاصة في أطوار الحروب والأزمات، دور بوق الترويج والتهليل للمواقف الأمريكية، والأمثلة كثيرة من حرب كوريا وفيتنام؛ إلى عشرات الأفلام التي أنتجت عن، وخلال فترة الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي، والإنتاجات الضخمة لأفلام انتقدت الوضع الداخلي في الاتحاد السوفيتي، أكثرها كتبها منشقون ومرتدون سوفيت.. للكثير من الأفلام التي تحدثت عن أعداء الإنسانية كالأنظمة الحاكمة في كوبا وغواتيالا وبنما، وتشويه المقاومة الفلسطينية، وفترة حرب بيروت ،1983 كفيلم جميس كاميرون«أكاذيب حقيقية».
وموجة ما بات يسمى أفلام «الأمن القومي» التي تنتج بالتشارك مع وزارة الدفاع الأمريكية، وصولاً لما شهدناه قبيل، وبعد أحداث 11أيلول؛ حيث لعبت هوليود وإنتاجاتها دوراً كبيراً في الترويج والتنظير للحرب على الإرهاب، ولمفهوم الحروب الاستباقية، والجندي الأمريكي الُمخلص ناشر الديمقراطية والسلام.
ومن هذا المنظور كان ترشيح الفيلمين «آفاتار» و«خزانة الألم» وان اختلفا بالنظرة وأسلوب الطرح. ففي «آفاتار» يسعى كاميرون لتقديم ملحمة ثلاثية الأبعاد تنتقد ببناها السردية الرمزية المنظور الكولوينالي للاستعمار، وبإشارة للكثير من الوقائع التاريخية، فيطرح قيام الجيش الأمريكي بإرسال بعثة علمية عسكرية إلى كوكب (باندورا) بهدف الحصول على مصدر للطاقة أو معدن ثمين؛ بإحالة على سياسات الامبريالية الأمريكية في نهب ثروات شعوب العالم الثالث، وبنتيجة التحول بالشكل ينجح أحد أفراد الحملة العسكرية بالتعايش مع السكان الأصليين (النافي) الذي يصورهم بداية كهمجيين وبدائيين ليكتشف أسرارهم، وينقلها لقيادته التي تقرر غزو المكان واحتلاله (في إشارة ضمنية للمنطق الأمريكي بشن الحروب) وهنا تتم المفارقة حين يقرر هذا العسكري الانخراط في الدفاع عن الكوكب وشعبه (هنا نعود لفكرة الأمريكي المخلص والمنقذ، والشعوب التي تعجز عن إدارة شؤونها). (آفاتار) هي كلمة السنسكريتية وتعني حلول الإله أو تجسيده في العقيدة الهندوسية.
الفيلم لاقى نجاحاً جماهيرياً منقطع النظير حتى تربع على عرش أعلى فيلم من حيث الإيرادات في تاريخ السينما(2.5 مليار دولار).
وفي المقلب الآخر يقدم فيلم «خزانة الألم» ومخرجته كاثرين بيجلو التي أهدت فوزها للقوات الأمريكية في العراق، محاولة لرسم ملامح عام 2004، أي بعد سقوط بغداد بعام، من خلال قصة كتبها الصحفي «مارك بوال» الذي رافق القوات الأمريكية في العراق، وتدور أحداثها عن ثلاث من الجنود الأمريكيين الذين يعملون في مجال تعطيل ونزع المتفجرات؛ حيث نجد الشخصية المغامرة والمدمنة على الحرب، حسب رأي الفيلم، وبالمقابل المتردد الذي لا يريد أن يقتل ولا يُقتل، وهناك الشخصية الوسطية الملتزمة بالأوامر بحذافيرها، وتدور لعبه الفيلم السردية على تصوير الصراعات النفسية، والقيمية التي يعانيها أفراد الجيش الأمريكي في العراق الذي بات أشبه بمستنقع يغرقون فيه تدريجياً ويتمنون الخروج منه بأسرع وقت، ويصور الفيلم ما يعانيه هؤلاء بفعل ضربات المقاومة العراقية التي يقدمها الفيلم كمجموعة من الإرهابيين المرتزقة الذين تحللوا من كل أحاسيس ومظاهر الإنسانية، والذين يحاربون الجيش الأمريكي والشعب العراقي أيضاً، من خلال مجموعة مشاهد؛ كمشهد تكبيل رجل عراقي بالسلاسل وربطه بعبوات ناسفة بالإكراه والغصب ينقذه الأمريكيون، ومشهد اختطاف المقاومة للصبي الذي يبيع الأقراص المدمجة قرب إحدى القواعد الأمريكية، وقيامها بتعذيبه وقتله، ثم تفخيخ جثته، وهو ما يتناغم كلياً مع الخطاب الترويجي والتشويهي الأمريكي بحق المقاومة العراقية .
الفيلم حصد الكثير من الجوائز كجائزة نقابة المنتجين «PGA»، ونقابة الكتاب «WGA» كأفضل سيناريو أصلي، ونقابة المخرجين «DAG»، والأكاديمية البريطانية «PAFTA»، ولكنه حصد الخيبة والعزوف من جانب المشاهدين إذ لم تتعد الإيرادات مبلغ 19 مليون دولار.
فهل عادت هوليود إلى التنظير الاستباقي للسياسة الأمريكية؛ خصوصاً ونحن على أعتاب انسحاب أمريكي من العراق؟.