رائد وحش رائد وحش

ربما ..! ماذا في الاسم؟

في مشهد من فيلم «طروادة» يأتي فتى بأمر من القائد أغاممنون، لدعوة البطل آخيل «براد بيت» إلى نزال محارب جبّار. حين يوصل ذلك الرسول رسالته يضيف، من عنده، تحذيراً يزيد حماسة البطل الأسطوري، فيحاول ردعه بكلمة اليأس الأخيرة، تلك التي نفترض أنها آخر وسيلة إقناع:«لو كنتُ مكانك لما ذهبت»، فيلقي إليه آخيل نظرة ازدراء، وقبل أن يمضي يقول:«من أجل هذا لن يذكر اسمك أحد..». يضع هذا المشهد، كما تفعل الملاحم القديمة كلّها، الاسم بموازاة الخلود، ففي النهاية يمضي البشر ولا يبقى من أثرٍ خلفهم إلا الأسماء، بعضها يُخَلّد لتمثيله الخير، بعضها يُخَلّد لتمثيله الشرّ، لكن أكثرها لا يجد مصيراً غير مكبّ النسيان، وكأنها، هي وأصحابها، لم تكن أصلاً!!

تبقى الأسماء أسراراً، صناديق سوداء، طلاسم.. إلى درجة أننا لا نكف عن استعادة سؤال شكسبير في «روميو وجولييت»: «ماذا في الاسم؟».. أيّ لغز ذاك الذي تحمله هذه الكلمات لنطابق بين حروفها وشخص، ولتحلّ محلّه..

حقّاً.. ماذا في الاسم؟ فيروز تقول (والقصيدة لجوزف حرب): «عينينا هني أسامينا». المعجم يضع سلّة كاملة من المعاني، لكنّنا ننحاز إلى تفسيره كوسم، كعلامة، المثل الشعبيّ يقول: «الأسامي ببلاش»، والمصريون يقولون: لو الأسامي بتنشرا، كان الفقير سما ابنو..!!

أكثر الأعمال الأدبية التي تلعب فيها الأسماء وظيفة دلالية هي «مائة عام من العزلة» حيث تتكرر أسماء الجيل السابق في الجيل اللاحق دوماً، لدرجة أن الأمر يغدو متاهة فاتنة، يقول ماركيز في الرواية: «أما أورسولا فلم تستطع مواراة إحساس غامض بالقلق، ففي تاريخ العائلة الطويل، أتاح لها تكرار الأسماء اللجوج استخلاص نتائج بدت لها قاطعة. فبينما كان من يدعون أوريليانو منغلقين على أنفسهم ولكنهم ثاقبو الفكر، كان من يدعون خوسيه أركاديو نزقين وجسورين، ولكنهم موسومون بسمو المأساوية». يحيلنا هذا المقطع الماركيزي إلى أنّ إشارات القدر تتجلى في أسماء العلم، ففي الوقت الذي لا يختار فيه الإنسان اسمه وأهله ودينه، فلن يختار قدره.. وبالتوازي مع هذه الفكرة تراود عن نفسها الفكرة القائلة: «لكل امرئ من اسمه نصيب» هذه التي قلما تصدق إذ لا تجد الواقع إلا آخذاً في تكذيبها. ومن طرائف «مائة عام من العزلة» أن سكّان قرية ماكوندو قد أصيبوا بداء غريب هو نسيان أسماء الأشياء، لذا راحوا يكتبون على قصاصات ورق الأسماء المنسية ويلصقونها عليها. 

لكن أغرب الأعمال الأدبية في هذا المجال هو رواية «كل الأسماء» للبرتغالي جوزيه ساراماغو التي يستهلها بقوله: «أنت تعرف الاسم الذي أطلقوه عليك، ولكنك لا تعرف الاسم الذي لك».. في هذه الرواية التي يشكل أرشيف السجل المدني مكانها الرئيسي، حيث تجتمع أسماء كل أهالي البلد لا نعثر على اسم أي شخصية باستثناء الشخصية الرئيسية التي يمنحها الكاتب إمعاناً في التضليل اسمه «جوزيه» وما تبقى لا أسماء لهم إلا صفات عامة كمدير المدرسة، المرأة المجهولة.. إلخ. وما ذلك الابتعاد عن الاسم واللقب والكنية إلا محاولة في الوصول إلى عمق ما هو أنت! وكيف أنت! ومن أنت! فالأسماء مجرّد أقنعة زائفة، تموّه الشخص أكثر مما تفصح عنه.

الشاعر أدونيس غير اسمه كإعلان مضاد عن الذات عبّر عنه عنوانه «هذا هو اسمي».. كذلك هو الشاعر اليوناني سيفريس الذي اشتق اسمه من كلمة (سفر) العربية،  وأيضاً الشاعر الأردني أمجد ناصر الذي غيّر اسمه الأصليّ «يحيى النعيمي» لضرورات التخفي السياسية، لكنه بعد زوال الأسباب واجه مشكلة بين اسميه، الأول المرتبط بالمكان الأول، والثاني المرتبط بأمكنة كثيرة، حتى بات لا يعرف أيهما هو!!

ولو استفضنا لرأينا أنّ الهنود الحمر يتسمون على الأعمال والأفعال، فهذا «الراقص مع الذئب» لأنه رقص حقيقة مع الذئب، وذاك «عشرة دببة» فقط لأنه قتل عشرة دببة.. كما أنهم ( الهنود الحمر) يسمون الموتى منهم بأسماء أخرى، وهي عادة نعثر عليها لدى العديد من الشعوب، كنوع من محاربة الموت. والمفارقة أنهم هم أنفسهم ليسوا هنوداً..

مع ذلك سنظل نسأل، مثل شكسبير، ماذا في الاسم؟! 

رائد وحش

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.