«حنظلة» السوري!؟

أمسك القلم بعد أن جهز الأوراق التي استخدمها سابقاً ليكتب، حاول أن يعصر دماغه ليجد فكرةً يخطها على الصفحات البيضاء، لكنه لم يستطع، فتساءل هل أصبحت عاجزاً عن التفكير، أم أن الأحداث أكبر من أن يستوعبها أي دماغ؟ أين القلم السحري.. أم أن القلم أيضاً فقد سحره أمام سحرة القرن الواحد والعشرين؟

فجأةً، برزت أمام عينيه كما في حلم، صورة «حنظلة» ناجي العلي وهو يشبك يديه ويدير ظهره، لمن تخلوا عنه، يجعلهم وراءه، ليس هرباً من المواجهة، وإنما استهجاناً ورفضاً لكل ما يجري، إنه ينظر إلى مستقبل آخر جديد سيأتي حتماً يوماً ما..!

رسم ناجي العلي حنظلة شاهداً على العصر، «حنظلة» الفلسطيني، في أحد رسومه يقف كعادته عاقداً يديه خلف ظهره، ناظراً إلى كومة من جماجم الفلسطينيين، معلناً تمسكه بالأرض، في وقفته تلك أكثر من معنى، تختزل موقفاً واضحاً وعميقاً لرفضه كذب السياسيين وممارساتهم وخيانتهم.. 

في العالم هناك أكثر من حنظلة، يختار حنظلة مكانه في اللوحة بعناية، حيث تكون هناك قضية يكون حنظلة، حنظلة السوري يدير ظهره للعالم، يتابع شعباً أحاط به القتلة والمجرمين والفاشيين، وعلي بابا والأربعين، واجتمع عليه أفاقو العالم، داسوا أرضه ودنسوها وولغوا في دمائه ودماء السوريين، لم يدهشه ذلك، لكن ما يثيره فعلاً، أولئك الأفاقين السوريين الذين تعاونوا وتحالفوا معهم ويحاولون تهميشه أكثر.. مشاهد عديدة تمر أمام عينيه وتبرز أكثر يوماً بعد آخر، وتزداد بشاعة كلما طالت سنوات الحرب!

في الجانب الأول..

أسئلة امتحان الشهادة الثانوية تنشر قبل ساعاتٍ من بدء الامتحان على الفيسبوك، والوزير يخرج لينفي ذلك، وأن الامتحانات تسير بكل هدوء، متجاهلاً حالات الغش العلني والجماعي!؟

وزير آخر يؤكد أن وزارته تدخلت لتضبط الأسعار، يحمل اللوم على التجار، وهؤلاء لا يبالون به ولا بالمواطن، ولا بالأشهر التي تمر وتزداد صعوبة وثقلاً.

تُرفع أسعار المحروقات والغاز، في نهاية الأسبوع، يتدخل البنك المركزي المرة تلو المرة ويُخفض الدولار بعصاً سحرية.. في فترة قياسية، عشرات القرى والمدن والأحياء محاصرة ومحرومة من أبسط سبل الحياة والبقاء، عشرات السوريين تشتتوا وغرقوا في بحور الظلمات والجهل.. ووصلوا إلى القطب الشمالي!؟ دماء الشهداء تسيل، دماء الفقراء السوريين من المدنيين والعسكريين!؟ ومازال المسؤولون منهمكون بالخروج على الشاشات ليؤكدوا صمودهم!

في الجانب الآخر..

الصواريخ وقذائف جهنم تهبط من السماء، أرسلها ربهم وأعانهم بجُندٍ لم يروها!؟..  شاب «يُبِرّ» أبويه ويعدمهما لأنهم كفرة! لأنهم لا يؤمنون بما آمن، فيحرمهم من جنّته!؟

 معارضون يرفضون الحلّ السياسي بعد خمس سنوات عجاف له، وكلها خيرٌ لهم!؟

«بان كي مون» ما زال قلقاً، لا يستطيع النوم، وهناك الكثير من السوريين أحياء يقلقون!؟

العدو الصهيوني أصبح صديقاً للعديد من الدول بحكمةٍ إلهية، وللعديد من الثوريين ليهبهم الحرية!؟

حنظلة السوري.. يقف مذهولاً أمام ما يحدث، أمام ما يرى ويسمع، لكنه لا يستطيع أن يبقى واقفاً هكذا يشبك يديه خلف ظهره، ويدير وجهه للوحة، فهو لم يعد وحيداً.. السوريون الفقراء كلهم أصبحوا حنظلة.. كل من يواجه الموت والجوع والمرض والتشريد والتهجير و.. و..الخ. هؤلاء كلهم اليوم يصرخون من الألم، لكن صراخهم سرعان ما سيهدر في وجه الموت، مثل رضيع صغير، يعلن صراخه بداية الحياة.