«سما».. هل تذكرون مطالبة الناس برفع سعر الخبز؟
يوقف المذيع أحد المارة ويسأله: «عم تحضر البرنامج؟»، ومهما كانت الإجابة، يعود المذيع ليسأل بكل سماجة: «لو فرضنا جدلاً فتحت الحدود البرية بين سورية ومصر، بينزل سعر صرف الدولار ولا لأ؟».
تلتقط عدسة الكاميرا الناس في الشوارع، سوريين متعبين ومثقلين بهمومهم، تنقض على ضحيتها فجأة، عندما يقوم المذيع بمباغتة أحدهم بسؤال فج وسمج. لو فرضنا جدلاً، وتنهمر الأسئلة الغريبة من مثل: (كيف ممكن تتعاملوا مع قرار الحكومة بمنع الاستحمام أكتر من مرة وحدة بالأسبوع؟ شو حظوظ منتخب سورية ببطولة كوبا أميركا لكرة القدم؟ شو رأيكن بقرار الحكومة بفتح قناة بحرية بين العاصمة دمشق وطرطوس؟).
ما الهدف من برنامج تلفزيوني ينزل إلى الشارع ليسأل الناس الذين اكتووا بنار الأزمة عن تداعيات قرار الأمم المتحدة نقل خط الاستواء إلى مدينة دمشق؟ ويعرض إجابات على شاكلة: «واضحة مؤامرة صهيونية» أو «مبين مين وراها هي أميركا وإسرائيل»، وبأحسن الأحوال «والله ما تواخذني ما عم تابع أخبار».
ما هذا الإبداع التلفزيوني الذي تفتقت عنه عقول القائمين على هذا البرنامج الذي يستهتر بالمواطن ويستخف بعقول الناس؟ وهل تكفي الفكاهة لتكون سبباً في جعل السوريين يبدون كأضحوكة؟
فكرة البرنامج ليست ملفتة بحد ذاتها، خاصة أنها مكرورة ومسروقة من برنامج أمريكي يشابهها، وقد جرى استنساخ نسخة مصرية منه أيضاً، ولكن ما يلفت الانتباه هو طبيعة الأسئلة المطروحة والمتعلقة في غالبها بحياة السوريين وظروفهم، وبالوضع الذي تمر به البلاد.
على صفحته في فايس بوك، يحاول معد البرنامج ومقدمه تبرير ما يفعلونه بأن رسالة البرنامج تحاول إثبات أن الشعب السوري بمختلف شرائحه هو طبيعي! من خلال طيبته، وأن الأجوبة سببها الصدمة من السؤال والوقوف المفاجئ أمام الكاميرا. وتشكر الموطن على روحه «الطيبة» وعلى أجوبته أيضاً.
ولكن ألا يخدم البرنامج الفكرة القائلة بأن الشعب السوري (شعب جاهل) ويحتاج إلى من يحكمه بيد من حديد لأنه دون ذلك سيفلت؟ أليست القناة نفسها هي من تبهرنا بين حين وآخر بضيوفها الذين يطرحون آراء لا تبتعد كثيراً عن الفكرة المذكورة آنفاً؟ أليست الفكرة ذاتها سياسية قبل أن تكون «كوميديا»؟ أليست محاولة لتثبيت أن ما حدث وما يحدث في البلاد كان سببه جهل المواطن، وأن هذا المواطن هو سبب كل المصائب التي حلت على رأسه، ولكنها في هذه المرة تروج لفكرتها من خلال «الفكاهة».
إنّ صناعة برامج من هذا النوع تعتمد على لقاء عدد كبير من الناس ليعود المعدون فيأخذون من بينها عدداً محدوداً يناسب الغرض الموضوع مسبقاً.. ولا يفوت معدّي مثل هذه البرامج أن يمرروا بين كل عشرة إجابات «مضحكة» شخصين أو ثلاثة يستنكرون السؤال لأنه خاطئ، وذلك لكي تبدو المحصلة كأنما البرنامج ينقل حقاً عينة عشوائية من الشارع السوري.
ربما ينبغي التذكير هنا بدرجة موضوعية هذه القناة التي اختارت في يوم من الأيام أن تعد تقريراً بدا من خلاله أن السوريين يطالبون برفع سعر الخبز لأنّ ذلك سيسمح بتوفيره.. إعلام من هذا الطراز، ماذا يريد أن يقول وأي (وعي) يبثّ؟.