خان أسعد باشا.. هل هو متحف أم ماذا؟

مشبعة بعبق مفعم بتوابل العالم كله ضمن خليط من ألوان الشرق كنت أسير، وضمن سوق البزورية الدمشقي يظهر بناء ضخم ذو باب عظيم كأبواب ألف ليلة وليلة، يتضمن باباً صغيراً تضطر معه للانحناء احتراماً لتدخل هذا المكان العظيم إنه خان أسعد باشا.

تحدثت قاسيون مع الآنسة غادة سليمان مديرة الخان عن الخان وتاريخه فقالت: بني خان أسعد باشا في عام 1751 واكتمل بناؤه في عام 1753 ليكون مركزاً للقوافل التجارية وهو إحدى محطات طريق الحرير، بناه والي دمشق اسعد باشا العظم حيث أمر أن يكون المكان تحفة من تحف التاريخ يحكى عنها في كل زمان ومكان، وهو يتألف من طابقين، يحوي الطابق الاول 40 غرفة لتخزين البضائع، وكل غرفة هي عبارة عن جناح أو اثنين ويحوي الطابق الثاني  44 غرفة تستخدم لمنامة التجار الوافدين بالإضافة إلى غرفة مرتفعة تطل على سوق البزورية وكانت لاستخدام الخانجي وهو مدير الخان وكانت وظيفته متابعة حركة القوافل التجارية، مساحته 2500 متر مربع  وهو من أكبر الخانات في الشرق، تعرض الخان للحريق وتهدم جزء منه في الزلزال الذي ضرب دمشق عام 1759 وتم إغلاقه على إثر ذلك، ثم رممه تجار البزورية في بداية القرن التاسع عشر واستخدموه كمحلات تجارية ..

استملك من  مديرية الآثار ووزارة الثقافة في ثمانينيات القرن العشرين وجرت فيه  أعمال ترميم وانتهت مع بدايات العام 2000 ..

وكيف استثمرتم الخان؟

تم ترميمه بداية ليكون متحفا للتاريخ الطبيعي تعرض فيه أدوات حجرية ومستحاثات بشرية وحيوانية، ولكن الجهات المختصة أوقفت المشروع وارتأت أنه من غير المناسب إقامة هذا المتحف في الخان، بحجة أن هذا لا يتناسب مع الحضارة الإسلامية، مع العلم  أن تاريخ سورية مستمر دون انقطاع منذ آلاف السنين وعمارة الخان وهندسته هي من الحضارة السورية المستمرة منذ العصور اليونانية كالأعمدة والتيجان في مدخل البوابة، ومن ناحية أخرى الطابع الأثري للخان منوع ويعود لعدة حضارات خاصة بوابة الخان أما المقرنصات فهي تعود للعهد المملوكي والأيوبي وسقف المدخل هو من الحضارة العربية الاسلامية تمثله زهرة اللوتس والقباب والأقواس التي تعود للعصر العثماني..فأين المشكلة في إقامة هذا المتحف واستثماره؟ واستخدام غرف الخان الفارغة؟ الحقيقة لا يوجد محاكمة عقلية في اتخاذ القرار .. اتخذوا القرار ثم تم التراجع عنه.. ولم يوضع مشروع بديل عن هذا لاستثمار الخان بما يعود بالفائدة للدولة والمجتمع رغم وجود الإمكانية لذلك، ومن عدة نواح اقتصاديا واجتماعيا وتاريخيا، فالخان أساساً كان مركزاً تجارياً وهو مَعَلم تاريخي اجتماعي وسياسي استخدم للاجتماعات واستضاف كبار الشخصيات مثل غليوم امبراطور ألمانيا ..

وما هي برأيك الطريقة الأفضل لاستثماره؟؟

يمكن استخدامه بفعاليات متعددة ومتنوعة تشمل الكثير من الأنشطة الثقافية مثل إقامة أمسيات ثقافية شعرية وأدبية، أو ورشات عمل للاعمال التراثية اليدوية ومعارض للكتاب أو معارض للفنون التشكيلية بكافة أنواعها، وتشجيع الشباب لعرض أعمالهم والارتباط بتراثهم. كان هناك قبل الأزمة برامج للأنشطة في الخان، ولكنها لم تكن بالمستوى المطلوب ، والآن في ظل الأزمة توقفت تقريباً..

وانا كمسؤولة عن الخان قدمت اكثر من طلب لاستثمار الخان كونه كتلة معمارية متكاملة وجرى الموافقة على بعضها مثل مشروع  بالتعاون مع جهة اجنبية لاستثماره عام 2010 ولكن ظروف الازمة أدى إلى انسحابها وتوقف المشروع، علما اننا نريد ونستطيع انجاز هكذا مشاريع وطنية وبايدي سورية دون حاجة لأحد، فالخان يلزمه بعض أعمال الصيانة لاستخدامه وقد اقترحت القيام بعمل للأطفال يعلمهم كيف يتعاملون معه التراث ويحافظون عليه، من خلال الاحتكاك المباشر مع المكان .. والناس ترغب بذلك وعندما نتوجه للأهالي بغية حماية التراث نراهم يستجيبون، وخير مثال على ذلك هذه المبادرة التي قامت بها بعض الجمعيات الخيرية لإقامة بازار للأعمال اليدوية ومساعدة المتضررين من الأزمة أيضاً، والجميل في الأمر أن الكثير من الأعمال قام المتضررون بصنعها بأنفسهم.

وأين تكمن الإعاقات؟

تكمن الإعاقات في الروتين الإداري البيروقراطي فالخان يتبع إداريا لأكثر من جهة وعند بحث أي اقتراح كل جهة تحيلنا إلى جهة اخرى وتبرز هذه الظاهرة في تخلي الأشخاص الفاعلين عن مسؤولياتهم ورميها على الآخرين ..

نحن الآن وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى إبراز وتثبيت هويتنا الوطنية في نفوس أطفالنا ويافعينا. وهل من معين أجمل من تراثنا الغني الذي يدعونا لذلك ويعيننا بكل عنفوانه؟!!