هادي العلوي ....المثقف المتمرد
يتوصل-العلوي -إلى أن ما يميز المثقفية الإسلامية كونها تعبيرا عن وعي اقل حسية ومناهضا لما يدعو إليه رجال الدين من تمتع بالملذات. ذلك يعني أن هاجسها وغايتها محكومان بترقية الغرائز وتهذيبها بالإرادة. كما نعثر عليها في تجربة الصين المعاصرة (الشيوعية) بوصفها محطة بارزة في تاريخ النضال النسوي الذي يقف خارج الذكورية الحاكمة في الحضارات القديمة والإباحية الجنسانية لحضارة الغربيين المعاصرة . إذ نعثر على هذه الممارسة عند المثقفين المعارضين للسلطة والدين على السواء كما هي الحال عند أقطاب الصوفية والفلاسفة الكبار والمتكلمين والثوار. أما مواقف المثقفين الغربيين فقد أدت إلى فضيلة اكبر من مثيلتها الإسلامية فيما يتعلق بمساواة الاثنين في هذا المجال، لكنها فتحت بهذا العدل بابا أوسع للعاهات الجنسية .
لقد أراد هادي العلوي القول، بأن ما في السماء والأرض ينبغي أن يكون ملكا للفقراء. وأن من يدعي تملكه للحرف (من كلمة وعبارة وأصول الأشياء والوجود) ينبغي أن يسلم للفقراء سلاح يدخلون به ملكوت النار ليخرجوا منه مطهرين. فدخول النار هو تطهير وليس عذاباً، كما أنه الأسلوب الذي يجعل من الممكن توزيع الكنوز مشاعا بين الناس، لأن من يقوم بذلك هم «ملوك الحرمان». كما أن من الحرمان يزدهر كل شيء، ويقضى على الجوع والعري والذل. وهي فكرة يمكن العثور عليها في أدعية الأئمة وخطب المساجد وسجع الأدباء وكلمات الصوفية وأحاديث النبي وآيات القرآن وإصحاحات الأناجيل. وبمجموعها تشير إلى أن ما يمدّ هادي العلوي ليس العبارة بل مصدرها. ومصدرها هو الروح الباحثة عن مشاعية للثروة والإخلاص لمبدأ العدالة والمساواة في طوباوية جديدة كان يدرك حدودها ويتألم لخسرانها ويلتاع وجدانه مما فيها من بصيص خالد يشع من كوة الأمل المحجوب بجدار الغريزة ورذيلة السلطة. وفي هذا يكمن سرّ موقفه المعارض للغرب الذي وجد في تاريخه وحضارته وديمومتها حلقات متراكمة من الفردية والملكية الخاصة وعبودية الغريزة. كما عثر فيه على سرّ الموقف المتباين بين مثقف الشرق ومثقف الغرب. وهو تباين مبني على فهمه لطبيعة الدولة في الشرق والغرب والاختلاف النسبي فيما بينهما. فالدولة لم تكن معنية في كليهما بقضايا العدل. لأنها قضايا كانت على الدوام ومازالت من هموم المعارضة مادامت معارضة. وكان الصراع على العدل هو محور العلاقة بين المعارضة والدولة، أي بين الناس والحاكم. الناس يريدون العدل والحاكم يريد الحكم . غير أن لهذه العلاقة العامة خصوصيتها في المواقف العملية للحضارة والمثقفين على السواء. بحيث نرى هادي العلوي يرفعها إلى مصاف المرجعية القابعة وراء غيبهما، مع أنه حاول سبكها بعبارة سياسية معقولة، لكنها أشبه ما تكون بشبهة جدلية أمام العقل والوجدان. فقد كانت هذه المرجعية ترمي إلى إبراز نوع الخلاف التاريخي والثقافي بين الشرق والغرب في مجال ومستوى علاقة المثقف بالسلطة، مع ما يترتب على ذلك من «استحقاقات» في ميدان الفكر السياسي والعملي.
فقد انطلق هادي العلوي من اعتقاده القائل، بأن العلاقة بين المفكر السياسي والحاكم في الغرب أوثق منها في الشرق من جهة التضارب في الفهم المتعلق بالدولة. فالسائد في الشرق هو الشقاق بين المفكر والسياسة العملية. مما أدى إلى انقسام متميز بين المثقفين، أحدهم تابع للسلطة كمصدر للرفاه الشخصي، وبين معارض مطرود ومطارد أو نابذ لها باختياره. كل ذك جعل من شهداء الفكر السياسي في الشرق أكثر منهم في الغرب. وهو السبب الذي جعل من المساحة المتوسعة لليوطوبيا في الشرق أمرا يتناسب مع الابتعاد أو الشقاق مع السياسة العملية.
• من كتاب «المثقف المتمرد» للبروفيسور ميثم الجنابي