إصدارات: الأمير

صدر مؤخرًا عن دار الشروق بالتعاون مع «بنجوين» طبعة عربية جديدة لترجمة كتاب «الأمير» لـ»نيكولا دى برناردو دى ماكيافيلي»، من ترجمة وتحليل وتعليق محمد مختار الزقزوقى، ويقع الكتاب فى 215 صفحة من القطع المتوسط.

يتطور المجتمع عند «مكيافيلي» بأسباب طبيعية، فالقوى المحركة للتاريخ هي «المصلحة المادية» و»السلطة»، وقد لاحظ  صراع المصالح بين جماهير الشعب والطبقات الحاكمة، وطالب مكيافيلي بخلق دولة وطنية حرة من الصراعات الإقطاعية القاتلة، وقادرة على قمع الاضطرابات الشعبية.

وكان يعتبر من المسموح به استخدام كل الوسائل في الصراع السياسي، فـهو القائل: «الغاية تبرر الوسيلة»، حيث برر القسوة والوحشية في صراع الحكام على السلطة، ولقد ألف مكيافيلي العديد من «المطارحات» حول الحياة السياسية فى الجمهورية الرومانية، فلورنسا، وعدة ولايات، والتي من خلالها برع في شرح وجهات نظر أخرى. ومثلت حياته حقبة مهمة من تاريخ فلورنسا، حيث عاصر في شبابه وطور نموه ازدهار فلورنسا وعظمتها كقوة إيطالية تحت حكم لورينزو دى ميديشى، اتهم ميكافيللي بالتآمر ضدها وسجن، لكن البابا ليو العاشر أفرج عنه فاختار حياة العزلة فى الريف، حيث ألف العديد من الكتب أهمها كتاب (الأمير)،  وحينها كانت الفترة التى تمخضت عن نشاطات مكيافيلي ومؤلفاته، ولكنه توفي، عن عمرٍ يناهز الثامنة والخمسين تقريبا قبل أن يسترجع منصبه في السلطة.

لعب مكيافيلي  دوراً هاماً فى تطور الفكر السياسي وشكّل نقطة تحول هامة فيه لتجاوز السلطة الدينية التي كانت سائدة فى الفكر السياسي الأوروبي في القرون الوسطى، إذ أسس منهجا جديدا في السياسة. 

الذرة الرفيعة الحمراء

صدر حديثًاً عن المركز القومي للترجمة، النسخة العربية من رواية «الذرة الرفيعة الحمراء»، من تأليف الكاتب  الصيني موا يان، ومن ترجمة الدكتور حسانين فهمي، يستعيد  طفلٌ صيني كبير،  بوعي وحنين، نُتَفًا من «تاريخ عائلته» في قرية دونغ بي بمدينة قاو مي، وهي نفسها قرية المؤلف. يستعيد الطفل حكايات عن الأب والأم والجد والجدة وزوجة الجد.. وما أحاط بعالمهم من أساطير، خلال مقاومة الغزو الياباني للصين في ثلاثينيات القرن العشرين. ومن هذه النتف والحكايات، تتألف لدى القارئ في النهاية لوحةٌ ملحميةٌ واسعةٌ للصين والصينيين، بتقاليدهم وعاداتهم الغرائبية،  وفي خلفية كل ذلك تتبدَّى طبيعةٌ خاصةٌ، بنباتها وحيوانها وإنسانها. 

يمكن للمرء أن يقرأ كتبًا كثيرة عن الصين وثقافتها وعاداتها، لكنه لن يعرفها في العمق، إلا من  داخل قلوب أبنائها وعيونهم،  تلك هي معجزة هذه الرواية. فهي تاريخٌ للواقع، تفصيلي وخارجي، بالإضافة  لكونها تاريخاً للقلب عاطفياً وداخلياً.

ترسم الرواية عالمًا صينيًّا واقعيًّا، لكنه في الوقت نفسه يقترب من أن يكون غرائبيًّا، أهم ما يميزه هو ذلك الطابع البدائي المرعب، القائم على القتل بسهولة والتعذيب وقطع الطريق، وذلك التماذج المهول الذى يصل إلى حد التطابق بين البشر والحيوانات والطيور والنبات وكل مظاهر الطبيعة، إنها قرية صينية صنعتها ذكريات موا يان التى أراد أن يكتب لها الخلود، وصنعها خياله بالطبع، كما صنعها وعيه السياسي والأيديولوجي الحاضر بقوة وراء كثير من مشاهد الرواية.

ينبع عالمها السحري من استخدام عنصرين رهيفين يعكسان وعي كاتبها بفن الرواية: العنصر الأول هو ذلك الراوي/ الطفل الذي يتذكر ويحكى ما رآه وما رُوى له، مستندًا إلى وعي بهوية الصين، يكاد يكون وعيًا أيديولوجيًّا؛ والعنصر الثانى هو المشهد الثابت المتكرر عند كل منحنى من الرواية، مشهد حقول الذرة الرفيعة الحمراء التي تشكل الخلفية الطبيعية والسحرية لعالم هذه الرواية البديعة، ففي هذه الحقول وحولها تقع كل الأحداث والأسرار والأفراح والجنازات، الذرة الرفيعة الحمراء التي يكتب الراوي مرثيتها بعد عودته وحضوره المفاجئ في نهاية الرواية، معلنًا عن رعبه من الذرة المهجنة التي زحفت واحتلت الصين.

يُذكر أن الرواية كُتبت بلغة صينية محلية خاصة بالمقاطعة التي تدور فيها الأحداث، وحصل صاحبها مؤخرًا على جائزة نوبل للآداب لعام 2012، وكانت هذه الرواية على رأس مبررات منحه الجائزة.