طريقان لزوال إسرائيل طريق كيسنجر و الاستخبارات الأمريكية وطريق الشرعية الفلسطينية

أولا: طريق كيسنجر والوكالات الاستخبارية الامريكية:

1 ـ نبدأ بهذا الطريق لأنه أمريكي محض في تحليله، ولكنه، في رأيي، لن يتحقق إذا أدخل رد الفعل العربي عاملا من عوامل المعادلة التي تحكمه. في هذا الطريق يتفق كيسنجر، وهو من هو، مع استنتاج ورد في تقرير لست عشرة وكالة من وكالات الاستخبارات الامريكية من أن منطقة الشرق الاوسط ستكون خالية من شيء اسمه اسرائيل بحلول عام 2022، أي بعد عشر سنوات. ذلك ما صرح به لصحيفة نيويورك بوست الامريكية بتاريخ 30 أغسطس الماضي. ووجه الاستغراب أساسا هو إجماع هذه الوكالات الست عشرة على ما وصلت اليه بشأن اسرائيل، وهي وكالات ميزانيتها السنوية تبلغ سبعين بليون دولار فقط لا غير، وأنها أعدت تقريرها بناء على تكليف من وكالة الاستخبارات المركزية (ال سي. آي. إيه).. هذا التقرير الذي يقع في اثنتين وثمانين صفحة استعرض الأسباب التي أوصلت واضعيه الى ما توصلوا اليه، ولكن يبدو أنه قد غاب عنه عنصر واحد، وهو دور المقاومة الفلسطينية في ذلك كله. كما يبدو أنه افترض أن ردود فعل الانظمة العربية والاسلامية للمواقف الاسرائيلية تخضع للمعايير المنطقية نفسها التي تحكم ردود فعلٍ متوقعة من النظم التي تحرص على مصالحها، ونخشى أن يفقد جميع من شاركوا في وضع التقرير وظائفهم عندما يطلع رؤساؤهم على الحقيقة. التقرير ما زال مشروع تقرير قُدم للرئيس اوباما الذي لم يقره بعد، ولذا فإنه لم ينشر حتى كتابة هذا المقال ليصبح في متناول الجميع. غير أن أمره انفضح حيث أن الرئيس، وفقاً للاجراءات المتبعة، قام بتوزيعه على عدد محدود من كبار رجال الكونغرس.

والكونغرس، كما هو معروف، يخضع للاحتلال الاسرائيلي. فوصل التقرير لاسرائيل وأنصارها، فثارت ثائرتهم. وهكذا عرف أمره، وبدأت الاقلام تتناوله بقدر ما عَلِمَتْ عن مضمونه. ونحن في هذا المقال نعتمد غلى ما عثرنا عليه عند البحث عنه في الشبكة العنكبوتية، والتي كان من بين أوفاها بحث للدكتور كفين باريت Kevin Barrett. ويحمل التقرير اسم ’الاعداد لشرقِ أوسط من بعد اسرائيل’(Preparing for a post-Israel Middle East ) وللقارئ ان يطلع على ما كتب عنه ونُقِلَ منه في الشبكة العنكبوتية تحت هذا الاسم. وهذا ما فعلناه للتعريف به، حيث أن تقريراً يتفق عليه هذا العدد من وكالات الاستخبارات الامريكية يجدر بنا أن نحاول التعرف عليه قدر ما تسمح به الظروف..

النتيجة والاسباب

 2 ـ النتيجة التي تو صل لها التقرير هي ’أن المصلحة الامريكية الوطنية تتعارض تعارضا جذريا مع اسرائيل الصهيونية’ وأن ’اسرائيل هي في الوقت الحاضر أكبر تهديد للمصالح الامريكية الوطنية لأنها بطبيعتها وأفعالها تحول دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والاقطار العربية والاسلامية، ولدرجة متنامية، بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الأكبر. وأول ما تجب ملاحظته هو أن النتيجة التي نقلناها فيما تقدم تحدثت عن اسرائيل ’الصهيونية’ وليس عن اسرائيل على إطلاقها، وهذا يعني أن النتيجة التي توصل اليها قد لا تتحقق إذا تخلت اسرائيل عن العقيدة الصهيونية التي تسيطر عليها. ولذا واستناداً الى هذا المنطق يكون الزوال المتوقع مرهوناً باستمرار اسرائيل ملتزمة بعقيدة الصهيونية، وهذا هو المتوقع.

3- التقرير لم يحصر الآثار السيئة لِطبيعة اسرائيل وأفعالها، في العلاقة الامريكية الاسرائيلية مع الاقطار العربية والاسلامية وإنما أشار أيضا الى أن ذلك يحول، لدرجة متنامية، دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. أمريكا تجد نفسها بشكل متنام في عزلة في المجتمع الدولي، خاصة في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، والوكالات الاممية المتخصصة بسبب ارتهانها بالمواقف الاسرائيلية التي تتعارض والقانون الدولي و/ أو القيم والمبادئ التي تدعي الولايات المتحدة أنها حريصة على التمسك بها ونشرها. وإذاً القلق الامريكي له جانبان: المصالح الامريكية في العالمين العربي والاسلامي والحرج المتنامي في المجتمع الدولي.

والخلاصة.

1 ـ لعل هذه هي المرة الاولى التي يُعترف فيها في وثيقة رسمية، لأسباب موضوعية، بأن المصلحة القومية الامريكية تتعارض مع دعم أمريكا لاسرائيل، ولأول مرة تشترك 16 وكالة استخبارات في تقرير يتحدث عن شرق أوسط دون اسرائيل ويتوقع أن يحدث ذلك خلال عشر سنوات، ويقترح سياسة امريكية جديدة. طبعا من السابق لأوانه الحديث عنه وكأن توصياته أصبحت سياسة رسمية للولايات المتحدة مع أنه في رئاسته الثانية.

• القدس العربي  بتصرف