الأوطان التي تؤكل
شاقّةٌ هي الطريق إلى مدينة «واو»، «وطن الرؤى السماوية» لدى طوارق الصّحراء الكبرى.. وعلى ذمة إبراهيم الكوني تتدخّل الأسطورة لتسيير رحلة الأب والابن إلى وطن الحقيقة والطهارة حسب أصول ناموس أهل الباديّة. فلا يتمُّ السّفر دون التهام فاكهة الترفاس، ولكن ليس أي ترفاسة نابتةٍ في الرمال، لأن هذه الفاكهة لن تصلح باصاً إلى الوطن إلاّ إذا كانت معضوضة بنابيْ أفعى قاتلة..
في قصّة الكوني عيون الأب المنطفئة بعد القضمة الأولى خاطبت عيون الابن الذي يأخذ حصته: الآن بدأت الرحلة إلى «واو»..
في رواية «باب الشمس» يجلب يونس الأسدي، خلال تسلله من مخيم شاتيلا في لبنان إلى فلسطين، كيساً من برتقال البلاد.. وفي الفيلم المأخوذ عن الرواية يفتتح المخرج العمل بمشهد وليمة البرتقال، حيث يأكل يونس والدكتور خليل وأم حسن بنهم حيواني، حتى أنهم يكومون تلة من القشور، بينما يونس يقول: بدنا نوكل فلسطين كلها..
كلا المشهدين اللذين ينطلقان من الأكل يحيلان إلى الموت.. الموت كطريق إلى الوطن الأسطوري بنبتة مسمومة جرياً على ناموس قبليّ، والموت تخمةً بثمرات أرض الوطن الضائع..
بالنسبة للموت العاصف بشوارعنا اليوم إلى أي نوع من أنواع الأكل يحيل؟؟