تأثيم الحرية إدامة للقهر
حال الحرّية الآن هي حال الطّفل الذي طلع بكلّ براءته إلى الدنيا، فراح أهل حارته يستعملونه بطرقٍ تختلف بين شخص وآخر، فما كان من شأنها إلا إفقاده معنى البراءة، بين واحد حوّله إلى مرسال غرام، وثانٍ جعله خادماً، وثالثٍ يتحيّن فرصة التحرّش به.
مختلف أنواع التشويه المحتمل حدوثها لذلك الطفل حدثَت للحرية وهي تتلمّس خطواتها الأولى، حتى باتت موضع شبهة حقيقياً، والكثيرون الذين علا صوتهم: لا نريدها.. إنما عبروا عن استيائهم من الفوضى المترافقة معها، وازدياد غموض المفهوم الذي لم يسبق وأن طرح من أهم المنابر الإنسانية: الشارع!
لنعد إلى الشعر ففيه الجواب، ذلك أن الشعراء أكثر من عملوا على تطويب الحرية ربّة معبودة. بيت أحمد شوقي صار شعاراً «وللحرية الحمراء باب».. نزار قباني سمّى أحد دواوينه «تزوّجتك أيتها الحرية»، ناهيك عما كتبه الشعراء على مر التاريخ في نشدانها معنى للطلاقة والتقدم والديمقراطية والمساواة والمسؤولية... من بول إيلوار إلى ناظم حكمت إلى لوركا إلى آخر شاعر حر.. فعلى الدوام كان الشعر يحلق عبر الحرية بخلاصة الأحلام الإنسانية.
دروس الثورات العربية كانت في نقل المفهوم إلى الحرية البيضاء، لأنّ هذا البياض الذي يمثل السلام، بوصفه الهدف الأكثر نبلاً، يمثل في الآن ذاته ماهية الشعب، فحيث تبدو صرخة الشباب باسمها صرخة ضد القهر وحسب، فإنها تذهب أبعد من ذلك بكثير، لتصل إلى حدود المطالبة بالكرامة في العيش وتعدد الفرص، والعدالة في توزيع الخيرات، إنها ذلك الاسم الحركي لكل شيء، وبتعبير ألبير كامو هي: «فرصة ليكون المرء أفضل»، وهي تتجاوز الحريات الغربية الكاذبة التي سخر منها مارك توين: «لقد منّ الله علينا بثلاث في هذا البلد: حرية التعبير، وحرية التفكير، والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما».
الحرية غائمة في مشهد اليوم، لكن الغد سيتكفل بتحقيق حلم غسان كنفاني، وهو يصرخ: «أنا أحكي عن الحرية التي لا مقابل لها، الحرية التي هي نفسها المقابل».
■ رائد وحش
raedwahash@gmail.com