حياة الكرد في ملحمة «ممي آلان»

حياة الكرد في ملحمة «ممي آلان»

يؤكد الناقد علاء الدين سجادي في معرض تحليله لأعمال أحمد خاني وخاصة رائعته ملحمة «مم وزين» فيقول: «يقف أحمد خاني على رأس الكتاب والشعراء في تاريخ الأدب الكردي كونه كان أول من دعا إلى تحرر الشعب الكردي ونبذ التفرقة الإقطاعية، وهو صاحب الآراء التنويرية السياسية الأولى عند الكرد».

تلمس أحمد خاني حالة الضعف والاضطهاد عند الكرد في قلعة بايزيد، وشاهد كيف كان الآغوات الطفيليون يسرقون قوت الشعب. فذكر أحمد خاني في مم وزين أو «ممي آلان» مسألة الظلم الواقع على الكرد، ونشر أفكاره تلك بين الناس. كان أحمد خاني متعلماً مثقفاً يجيد العربية والفارسية والتركية إضافة إلى الكردية.

آلان داود

«رسائل وحكايات..»!

 

اشتهر أحمد خاني في روسيا في أبحاث ألكسندر جابا القنصل الروسي في أرضررم التي أنجزها لصالح أكاديمية بطرسبورغ آنذاك. كان القنصل يجمع النصوص الفولكلورية الكردية بالإضافة إلى النصوص التاريخية والأثنوغرافية والأدبية ويرسلها إلى بطرسبورغ بمساعدة المثقفين الكرد آنذاك وتضمنت أغاني شعبية وقصائد وملاحم وأحداث تاريخية ووقائع وقصص وحكايات وقد جمع آ. جابا تلك المعلومات كلها في كتابه «مجموعة من الرسائل والحكايات باللغة الكردية» والتي تضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الملاحم والحكايات.  وبعد طبع كتابه سمع العالم بأسماء الشعراء والكتاب والمؤرخين الكرد. كما جمع جابا نصوص ملحمة «مم وزين» لأحمد خاني، وأرسلها إلى الأكاديمية ونشر نصها في المجلة التي كانت تصدرها الأكاديمية باللغة الفرنسية، وعن طريقه انتشرت المقالة بين الأدباء الكرد حديثاً. 

كتبت الملحمة الأصلية باللغة «الكرمانجية» والحروف العربية، طبعت لأول مرة بالكردية عام 1920 في اسطنبول، ولكن الحكومة التركية قامت بمصادرة ومنع هذا الكتاب وجمع نسخه وإحراقها، لاحقاً قام الأديب والمؤرخ غيو موكرياني في سنة 1953 بطبع نسخة من الملحمة بالسورانية وكتب مقدمة لها.

موسوعة عن الحياة!

 

وفي سنة 1933 انعقد في ييريفان مؤتمر الأدباء الكرد «الكردولوجيين» وقرر المؤتمر طبع الملاحم الكلاسيكية الكردية ومنها ملحمة مم وزين لأحمد خاني، ونشرها في الاتحاد السوفييتي بالكردية والروسية. 

أما بالنسبة للغات الأوربية فلم تترجم ملحمة مم وزين إليها، إلى أن جرى تكليف الدكتورة مارغريتا رودينكو بذلك، فقامت بتحضير النصوص والترجمة والأبحاث ودرست النصوص الموجودة في معهد الاستشراق بلينينغراد ومقارنة الطبعات المختلفة للملحمة ووضعت نصاً باللغة الكردية وترجمته إلى اللغة الروسية وغيرها، ونشر عمل رودينكو في موسكو سنة 1962. تقول رودينكو: «لا نعرف تاريخ ولادة أحمد خاني بالضبط، لكننا نعرف بإنه كتب ملحمة ممي آلان في القرن السابع عشر الميلادي، ووضع أيضاً قاموس كردي-عربي، نوبار».

يعتبر بعض الباحثين ملحمة «مم وزين» لأحمد خاني، أنها موسوعة عن الحياة الكردية بين القرنين السادس عشر والسابع عشر.

الحب والشجاعة..

 

تتحدث فصول الملحمة الشعرية عن الحب والشجاعة والحكمة والحب بين الرجل والمرأة والبطولة والافتخار والأخوة واللعنة على الأشخاص الذين لا يريدون الخير، وأولئك الذين  تسببوا في موت الحبيب والحبيبة.

ظهرت في ملحمة مم وزين الأفكار الأولى لتحرر الشعب الكردي وتحرر الإنسانية، وتضمنت الملحمة الكثير من الأمثال والحكم الشعبية القيمة. وتتميز بطريقة البناء والصور الشعرية والاستعارات اللافتة.

القضية الأخرى المهمة في ملحمة مم وزين لأحمد خاني هي تصوير حياة الضعفاء والفقراء والاستغلال الجاري تحت نير وظلم الآغوات والاضطهاد الطبقي والتفرقة القبلية والطائفية.

أحمد خاني في تراث وآداب الشرق 

جاء ذكر أحمد خاني في كتاب الباحث في آداب الشرق ي.آ. أوربيلي «البناء الشعري عند الشاعر الجورجي روستافيلي»، والذي قال فيه:

«عندما نقول إن الشاعر قريب في نصوصه من الشعب ومرتبط بهم، عندها ودون أن ندري يجب أن نقول أسماء ثلاثة من كبار الشعراء في الشرق وهم الشاعر الفارسي الفردوسي والشاعر الجورجي روستافيلي والشاعر الكردي أحمد خاني، فلم ينس الكرد يوماً شاعرهم أحمد خاني، وتناقلوا نصوصه شفاهاً ومخطوطة لقرون».

إن هذا الكلام يشير إلى أن ملحمة مم وزين هي أساس القصيدة الكردية، وهذا ما يؤكده كثير من الباحثين، فحتى اليوم يغني الفنانون هذه الملحمة ويحكيها الرواة ويرددها الشعراء بفخر كبير.

وضع الفردوسي في كتابه «شاه نامه» قصص وملاحم الشعب الفارسي، وكتب الشعر ووضع ملحمة مجنون وليلى الفارسية، والتقط من أفواه الناس قصة «فرهاد وشيرين» الكردية وجعلها ملحمة شعرية، وتبحث كتابات روستافيلي في الأدب الجورجي في المجال نفسه. تحدث الشعراء الثلاثة (الفردوسي، أحمد خاني، روستافيلي) عن حالة الطبقات الفقيرة والمسحوقة والقيود الموضوعة أمام الشعب والضعفاء والمظلومين والجائعين حيث تظهر حالة الصراع ذو الطابع الطبقي في ملحمة أعمالهم بشكل واضح.

يقول البروفيسور قناتي كردوييف: «كتب أحمد خاني عن البطولة الكردية وقيم العدالة الاجتماعية ضد الظلم والاستبداد في ذلك الزمان. إن نضال الكرد منذ قديم الزمان لا ينفصل عن نضال العرب والترك والفرس من أجل والعدالة الاجتماعية والسلام والديمقراطية الحقيقية».

«نوبار»

 

وضع أحمد خاني كتاب «نوبار» وهو قاموس كردي عربي للأطفال جرى نشره عدة مرات، وهو ليس مجرد قاموس فهو يضم نصائح تربوية، ويعتبر أحمد خاني صاحب الآراء التربوية الأولى عند الكرد مبادراً بذلك إلى صياغة شعارات التعليم الأولى في القرن السابع عشر.  

لقد وضع أحمد خاني شعار التعليم المتقدم عند الكرد من خلال «نوبار» ودروسه، وقد كتب البروفيسور كردوييف في كتابه «تاريخ الأدب الكردي» أن أحمد خاني قد ألف كتباً في الجغرافيا وعلم الفلك يتحدث فيها عن البلدان والسماء والكواكب، وقد ضاعت هذه الكتب في الحروب الإقطاعية في الشرق.