موت بألوان الطيف.. برعاية هوليوود!

موت بألوان الطيف.. برعاية هوليوود!

يبلغ العنف الذي تقدمه أفلام من نمط «SAW» حداً يفوق برعبه أفلام داعش نفسها إذا تم النظر إلى كلا «الإنتاجين» على أنه «إنتاج سينمائي».. ما يجعل من داعش أكثر إرعاباً هو عملية «كسر الإيهام» الذي تمارسه الماكينة الإعلامية المرافقة لداعش..

 فإذا كانت ماكينة هوليوود التقليدية تجعل من بضاعة أفلام الرعب، «بضاعة مسلية» بجانب ما منها، هو الجانب المتعلق بأنّ الرعب المقدم محدود بالشاشة، وأن نتائجه أمام الشاشة هي إثارة القلوب الضعيفة والتحدي الضمني الساخر الذي يجري تحريضه بين المتابعين بحيث يبدو حضور فيلم رعب مغامرة يمكن لمجموعة من الأصدقاء خوضها بسلامة والخروج منها بتعليقات ساخرة على بعضهم بعضاً..

 

بالمقابل فإنّ الماكينة المرافقة لأفلام داعش، تستخدم الإيهام الأولي الذي تستخدمه السينما عموماً بغرض خلق واقع افتراضي أمام المتابعين يسحبهم من عالمهم ليضعهم في عالم آخر يقودهم فيه خيالهم الذي يلونه صناع الفيلم ويوجهونه بمادتهم السينمائية المقدمة، ولكنها لا تكتفي بهذا القدر بل تذهب نحو كسر الإيهام بالتأكيد والإصرار أنّ ما تقدمّه ليس فيلماً وليس إيهاماً بل هو واقع، وفوق ذلك فإنّه واقعك أنت بالذات كمشاهد، هو واقع يترصدك ويستهدفك..

ولكنّ عملية «المتاجرة بالعنف» سينمائياً وواقعياً، بدأت تدخل مرحلة أفولها النهائي بالمعنى التاريخي..

أزمة هوليوود   

أشارت إحصاءات قدمتها الحكومة الأمريكية أن ما تقدمه «المنتجات الإبداعية» التي تشمل السينما والتلفزيون والمنتجات الإعلانية والترفيهية الملحقة بذلك، قد بلغ حوالي 916 مليار دولار في العام 2011، وهو ما يظهر مدى تأثير هذه الصناعات وبينها «صناعة السينما» على الاقتصاد الأمريكي.

يصنف هذا النوع من «المنتجات» على أنه «الصادرات الأكثر رواجاً» للولايات المتحدة الأمريكية على وجه الخصوص، وتابعت الدراسة التي قدمتها وزارة الخزينة الأمريكية متحدثةً عن تأثير سنوات الأزمة الاقتصادية الأخيرة على حجم تلك «الصادرات» وعلى مردودها العام بالنسبة لمجموع الناتج القومي الإجمالي، وهذا ما اتفق عليه الكثير من رواد «سوق الأفلام الأمريكية» الذي عقد في العام 2009، وهو تجمع حواري سنوي يضم الكثير من منتجي الأفلام الهوليودية، حينها بدأ الجميع بالتحدث عن علاقة التراجع الاقتصادي الذي بدأت ملامحه بالظهور على تلك الصناعة، وكانت قد شهدت بعض الانتعاش حتى العام 2008، كما بدأت الدعوات إلى تبني «الأفلام الرابحة» التي لن تضع مصنعيها تحت رحمة شبح الإفلاس، ولعل إعلاناً من هذا النوع يبدو لكثيرين تفسيراً كافياً بذاته لاستيعاب نوعية الأفلام التي اتجهت هوليوود إلى التركيز على إنتاجها خلال العقد الأخير، ولكن من يضع في حسابه أهمية هوليوود السياسية- الدعائية العامة بالمقارنة مع أهميتها الربحية المباشرة، لن يفوته أنّ مسألة «الربحية» في حسابات هوليوود، هي مسألة أكثر تعقيداً بكثير مما يمكن التقاطه بدراسات «الجدوى الاقتصادية» التقليدية..

علاقة قديمة

لم تكن العلاقة بين السينما الأمريكية والأزمات الاقتصادية بسيطة في أي يوم من أيامها، وهذا ما لم يخف عن أعين النقاد، فقد شهدت صناعة السينما الأمريكية ميلاً واضحاً نحو الكوميديا في ثلاثينات القرن الماضي بالتزامن مع أزمة العام 1929، لكنها سرعان ما اتجهت نحو الأفلام الكئيبة والجدية خلال الثلاثينات بعد أن أصبحت تلك الأزمة عصية عن التجاهل، لتظهر أفلام «دراكولا» و «فرانكشتاين» و«المومياء» وأمثالها من المشاهد السوداوية، ومع الأزمة الراهنة التي أصابت الرأسمالية العالمية في الآونة الأخيرة وما تزال مستمرة في التعمق، بدأت آثار كبرى تظهر على شكل ومضمون الصناعة السينمائية لهوليوود، إذ أصبح لأفلام الحركة والتشويق نصيب الأسد من الروزنامة السنوية للأفلام الأمريكية، كما أخذ تدخل المؤسسات الأمنية الأمريكية في جوانب تلك الصناعة كلها، الموجود أساساً، يزداد ويتعمق بما يشير إلى حالة «انضباط عسكري» ضمن خط عام واحد تفرضه الأزمة المتعمقة.

في السياق، فقد حمل العام 2007 فضيحة كشفت دور وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وارتباطها الشديد بهوليود، حيث قام أحد الصحفيين بنشر ما قاله الرئيس السابق لمجلس التعاون الأعلى في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «بول كولباو» في خطاب ألقاه في جامعة فرجينيا، تحدث فيه بإسهاب عن العلاقة بين هوليوود والوكالة، وكانت الصاعقة في حديثه حول تفاصيل تصوير الفيلم The Recruit من بطولة الممثل الشهير «آلباتشينو» والذي يتحدث عن طريقة تجنيد عملاء أمريكيين في الوكالة، وذكر أن وكالة الاستخبارات المركزية قد وظفت أحد عملائها في موقع التصوير تحت مسمى «مستشار» وذلك لـ«تضليل» صناع الفيلم عن الحقيقة المتعلقة بتفاصيل عمليات تجنيد العملاء الجدد في الوكالة، لكن «بول» سارع بإصدار بيان عاجل ينفي فيه أقواله جميعها جملة وتفصيلاً، وبالأخص كلمة «تضليل»!

«عنف» للأزمة الجديدة

بالتزامن مع «الانطلاقة الحربجية» الجديدة التي بدأتها الولايات المتحدة مطالع هذه الألفية، كان لابد من استثمار هوليوود ومدى تأثيرها على عقول وقلوب الملايين من متابعيها، فقد شهد العقد الأخير ظهور أفلام  Black Hawk Dawn, Zero Dark Thirty , Argoالتي تجعل من الحروب الأمريكية وراء البحار، و«تصدير الديمقراطية» حدثها الأساسي. حيث لم تشهد السينما الأمريكية هذا العدد من الأفلام «الاستخباراتية» في مثل هذا الوقت القصير منذ انطلاقة مثل هذا النوع من الأفلام أيام الحرب العالمية الأولى، حيث حصد Argo الذي يتحدث عن «أمجاد» الاستخبارات الأمريكية في إيران جائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج في العام 2014، في وقت عانت فيه العلاقات الإيرانية الأميركية الكثير من المد والجزر المتواصل، تحدث المخرج «بن أفليك» بمديح كبير وثناء غير مسبوق عن وكالة الاستخبارات الأمريكية، لم يخف الرجل حقيقة خضوعه للعديد من التدريبات الميدانية وتواصله الدائم مع بعض مسؤولي تلك الوكالة خدمة لـ«مصداقية» الفيلم، كما حصلت الممثلة «جيسيكا جاستين» على جائزة أفضل ممثلة في دورها في فيلم Zero dark Thirty،هذا الفيلم الذي يشرعن التعذيب الوحشي المرتبط بسمعة الاستخبارات الأمريكية ويجيز الانتقام من «أعداء الأمة»!

يحلو للكثير من النقاد السينمائيين والمهتمين بالشأن الفني التقليل من تأثير هذه العلاقة التاريخية بين هذه الصناعة وجذورها في مجالات الاقتصاد والسياسة، لكنها اليوم أصبحت ظاهرة بشكل فاقع على الشاشات جميعها، ولم تعد السينما الأمريكية اليوم قادرة على تقديم أي جديد سوى دفعة جديدة من أفلام «الأبطال الخارقين» و«حروب التحرير والديمقراطية» يضاف إليها بعض الكوميديا الخفيفة أو اقتباس مكرر لروايات الأطفال وقصص الخيال العلمي..

إفلاس في الأفق!

إنّ إفلاس هوليوود بشكلها الحالي وبالمضامين العنيفة التي باتت على رأس منتجاتها، يلوح في الأفق واضحاً وقريباً، ولا يرتكز هذا الإفلاس إلى الجانب المالي من عملية الصناعة الهوليوودية فقط، بل قبل ذلك إلى تهافت «النموذج الأمريكي» بجانبيه الأساسيين «الحلم الأمريكي» كصورة مقدمة للخارج عن الداخل، و«صراع الحضارات» كصورة عن العالم-الغابة مقدمة للناس جميعهم بوصفها الصورة الصحيحة التي ينبغي العيش في ظلالها وفي «أتون حروبها»، وهو ما يخالف الاتجاه العام الذي ستضطر البشرية إلى الانعطاف نحوه حفظاً للنوع البشري واستمراره!