«Mbc» وتسليع المأساة السورية..
الاتجار بالكارثة الإنسانية التي حلت بالسوريين، لغايات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو أمنية وغيرها، وعلى كافة المستويات المحلية والإقليمية والدولية، وبتعدد طرق ووسائل هذا الاتجار، وخاصة الإعلامي منها، لم تعد جديدة.
لكن الجديد هو «الابداع» المستمر بابتكار طرق أكثر جذباً على مستوى هذا الاتجار، وبغايات ربحية بحتة، لا تخلو من رسائل سلبية مبطنة في محتواها، كان آخر ما حرر فيها برنامج تلفزيوني ترفيهي رمضاني، يجعل من معاناة السوريين مادة دسمة في إحدى حلقاته على موائد شهر «الرحمة».
ردود الفعل المتوقعة
هو «الصدمة» اسماً ومحتوى ورسالة ومآلاً، وربحاً متوقعاً في جيوب القائمين عليه إنتاجاً وتسويقاً على حساب السوريين ومأساتهم، حيث خصصت حلقة من حلقاته لتصوير محاولة طرد إحدى الأسر السورية من مطعم في مصر، مع رصد ردود أفعال المصريين على هذا السلوك! والذي اتضح فيما لا يدع مجالاً للشك مقدار التعاطف مع هذه الحالة من قبل الموجودين من المصريين الذين وقفوا بوجه السلوك السلبي لصاحب المطعم، ولعله أمر مفروغ منه سلفاً، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن موضوعة التعاطف المجتمعي مع أي انعكاس سلبي لسلوك ما يكون إيجابياً، بغض النظر عن مقدار هذا التعاطف وشكله ونتائجه، فكيف الحال عندما تكون بمثال الحالة السورية التي أثرت بوعي الشارع العربي عموماً، خاصة مع طول مدة استمرار أزمة السوريين ومأساتهم وكارثتهم.
ولكن السؤال الذي يتبادر للذهن: هل الغاية من هذا النموذج الإعلامي، عبر هذه الفقرة، الحلقة، التسويق والتبرير لبعض حالات التعامل السلبي مع اللاجئين السوريين على أنها حالات فردية ناجمة عن سوء أخلاق وطوية القائمين بهذا الفعل السلبي؟ بعيداً عن كل أساليب التعبئة والتحريض، المبطنة والعلنية، والرسمية والخاصة، طيلة سنين الأزمة على السوريين عموماً، ومساعي تقسيمهم وتفتيتهم والتفريق والتمييز بينهم عبر وسائل الإعلام، بما يخدم بعض المصالح السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية والأمنية لهذه الدولة أو تلك، والتي أدت عملياً إلى تفشي بعض السلوكيات السلبية تجاه اللاجئين السوريين في بلدان اللجوء، ليس أولها استغلالهم المباشر بأعمالهم، ولا آخرها السخرية منهم وجعل مأساتهم وجبة رمضانية عبر برنامج ترفيهي تافه كالمثال السابق، بعيداً عن المصلحة الحقيقية للسوريين، وبعيداً عن مأساتهم وكارثتهم المستمرة حتى الآن!.
تعمية ترفيهية
البرنامج «الترفيهي» وفقاً للقائمين عليه ومسوقيه، محطة MBC ومن خلفها من الرعاة والمستفيدين والمشغلين، يرصد ردود أفعال الناس العفوية، في بعض الدول العربية، في مواقف سلبية مختلفة ومتباينة، بحيث تكون هناك كاميرا خفية ترصد ردود الأفعال العفوية تلك، مع طواقم عمل من الممثلين، حسب كل بلد، في رسالة غايتها تكريس الإيجابي من التصرفات وردود الفعل ونقد السلبي منها، وبهذا الموسم يعرض الجزء الثاني من هذا البرنامج، حيث سبق وأن عرض جزؤه الأول منه في موسم رمضان في العام الماضي.
إلا أن القائمين على البرنامج وباعتبار أنهم يرصدون ردود الأفعال العفوية، يقومون باستثمار بعض المآسي الإنسانية بغايات التسويق والترويج والتربح، مع بعض الرسائل السلبية المضمنة، حيث إن هذه البرامج لا تعير الأسباب والمسببين الحقيقيين عن تلك المآسي والآفات أي اهتمام، بل إنها تبعد عن هؤلاء أي اتهام ومسؤولية وتجير بعضها على أنها نتاج لسوء وسلبية التعاطي المجتمعي على المستوى السلوكي الفردي مع هذه الظواهر، وكأنها نتاج لعوامل أخلاقية فردية فقط، وهو على ذلك نموذج مستورد من أشباهه من البرامج الغربية، والأمريكية على وجه الخصوص.
لتصنع الصورة جلية بأن هذه البرامج، بالإضافة لكونها تتمظهر بكونها ترفيهية، وتحمل شكلاً رسائل إيجابية، إلا أنها بواقع الحال لا تخرج عن كونها برامج تعمية وتورية وتضليل وتحريف للواقع، والفاعلين الأساسيين فيه، وخاصة على المستوى الاقتصادي الاجتماعي، والمعيشي الأخلاقي، مع الكثير من الأرباح التي تصب في جيوب هؤلاء كنتيجة لذلك الأمر.
لاشك أن التعاطف ظاهرة انسانية عامة، وهي إحدى خصائص المجتمع البشري وأحد تجليات تمايزه عن الكائنات الأخرى، ، هي ميزة مطلوبة في ظل الاضطراب العالمي الراهن، ولكن تقزيم كارثة النزوح واللجوء إلى مجرد حالة وجدانية، لاستدرار عواطف الجمهور، وتحويل التعاطف الى سلعة إعلانية دعائية، هي بدورها أحد أشكال الانحطاط المهني والأخلاقي لوسائل الإعلام، فكل تعاطف إنساني خارج فكرة إيجاد حل سياسي للأزمة هو مجرد بيزنس، واستكمال لدور وسائل الإعلام في تفاقم الأزمة السورية، عبر الشحن الطائفي، وتضليل الرأي العام، وذرف دموع التماسيح على السوريين.
بئس هذا الترفيه في موسم الربح الرمضاني!.