الزّي الشعبي إبداعٌ شعبٍ.. وتُراثٌ!

الزّي الشعبي إبداعٌ شعبٍ.. وتُراثٌ!

يشكل الزي الشعبي بشكله وألوانه أحد مكونات التراث المتعددة كالغناء الشعبي والعادات والتقاليد...الخ، إضافة إلى مضامينه الأخرى، فهو أحد سمات الثقافة والهوية الوطنية للمجتمعات ورموز وحدتها، مما يمنحه أهمية كبيرة تتطلب تناوله والمحافظة عليه وإحيائه وتطويره مع المحافظة على خصوصياته.

 

لم يتكون الزي الشعبي، باعتباره جزءاً من التراث الشعبي بين ليلة وضحاها ولا برغبات فردية، وإنما كان وليد عشرات ومئات السنين، وهو تعبير عن علاقة الإنسان بالبيئة والطبيعة وتلاؤمه معها من جهة، وعلاقته بظروف العمل والمعيشة ومحاولاته للتأقلم من جهة أخرى، ارتبط بفرحه وحزنه وعاداته وتقاليده، وانتقل من جيل إلى جيل، وكما كان هو نتاجاً إبداعياً للشعب، أصبح مصدر إلهام وإبداع للفنانين وخاصةً التشكيليين منهم، فجسدوه في لوحات كالفنان عمر حمدي، والفنان نذير نبعة الذي رحل مؤخراً، وكان قد استلهم كثيراً من لوحاته من زي المرأة الفراتية.

وحدة.. وتنوع.. واختلاف!

تتميز الأزياء الشعبية في سورية بالوحدة رغم تنوعها في الشكل واللون، النابع من تنوع البيئات الجغرافية والطبيعة، وتعدد المكونات الاجتماعية فيها، فأزياء الريف تتميز عن أزياء المدينة لوناً وشكلاً، وتختلف أزياء البيئة الجبلية عن أزياء البيئة السهلية والساحلية، وكذلك تتميز أزياء الكرد السوريين عن العرب والآشوريين والكلدانيين السوريين. ومع ذلك هناك قواسم مشتركة بين هذه الأزياء تولدت من كون البيئة عموماً أقرب إلى الاعتدال كتوالي الفصول ووجود اعتدالين ربيعي وخريفي، وصيف وشتاء مقاربين لهما، إضافة إلى العلاقات التاريخية والتلاقح الثقافي بين شعوب المنطقة، جعلها تتناسق وتتساوق مع بعضها ومع  أزياء شعوب الشرق، كونه يشكل بيئة جغرافية واحدة، إضافة لعلاقات التعايش التاريخية بين هذه الشعوب، فغطاء الرأس مثلاً تفرضه البيئة الباردة والحارة، وكساء الجسم ونوعية القماش.. الخ. 

وأحياناً يعبر الزي عن رمزية عالية لمضمون سام، فقد أصبح الزي الشعبي الكردي رمزاً من رموز المقاومة، وكذلك الكوفية الفلسطينية كإحدى رموز النضال الوطني في المنطقة والعالم!

الزي الشعبي الجبلي السوري!

يغلب اللون الأسود على الزي الشعبي في جبل العرب بالسويداء وجبال الساحل، وتنخفض درجة السواد لتصل إلى اللون البني بدرجاته المختلفة حتى الرمادي في جبال الداخل شمال إدلب وحلب لدى العرب والأكراد والتركمان، وذلك لامتصاصه واحتفاظه بحرارة الشمس نهاراً لبرودة الجبال، وفيه محاكاة للطبيعة وألوانها، لكون أغلب صخور الجبال ذات منشأ بركاني، أما الشكل الذي يغلب عليه اللون الأسود أو الأبيض لغطاء الرأس الرجال، ويتكون لباس الجسم من شنتان(شروال) أسود فضفاض في الأعلى، وضيق عند الساقين ليسمح بسهولة الحركة والتنقل.

وتتشابه أزياء المرأة، حيث يغلب عليها الأسود واللون الأبيض المزركش بالألوان ذات الحرارة اللونية المنخفضة، فالشرش الذي تلبسه المرأة في سهل حوران المرتفع عن سهول الداخل والقريب من جبل العرب لا يختلف عن زي المرأة في السقيلبية الواقعة في سهل الغاب بريف حماة ولا عن زي المرأة في ريف دمشق والسهول الواقعة بين جبال القلمون، وسهول حلب وإدلب المرتفعة والقريبة من الجبال أيضاً.

ماذا عن المدن؟

يغلب اللون الرمادي البارد أو المقلم بخطوط فضية على لباس الرجال،  ويتكون من «القمباز» وتوابعه وهو متقارب في دمشق وحمص وحماة وحلب، ويمنح شيئاً من الوجاهة لعمل التجار، أمّا زي المرأة فهو من الألوان الحارة المزهرة واللون الأبيض، حيث يتناسق مع داخل البيت المليء بالأشجار والزهور والنباتات!

التنوع في وادي الفرات والجزيرة!

يتنوع الزي الشعبي في وادي الفرات والجزيرة، بسبب الطبيعة وألوانها وتمايز الفصول، وتنوع أشكال العمل كالحصاد وقطاف القطن، بالإضافة لتنوع التركيبة السكانية حيث يعيش العرب والأكراد والآشوريين والسريانيين والكلدانيين السوريين جنباً إلى جنب بقرى متداخلة أو أحياء متداخلة في المدن، مما أثر في تنوع اللباس ومنحه الغنى والجمال.

ويتميز زي المرأة في مناطق الريف بالثوب المزركش والزبون المفتوح كاملاً من الأمام وهو ما يسمح باستخدامات متعددة من حمل الأغراض إلى حمل الأولاد حتى أثناء العمل، أما غطاء الرأس فهو مكون من (الهباري) وهي عبارة عن شارات ملونة، وهناك اللون الأسود للعباءة النسائية الفضفاضة والمطرزة بخيوط ذهبية وتناسب الفصول كلها، أما زي الرجال فيتكون من (الكلابية) الرمادية أو الترابية وفوقها (الدامر) والعباءة الرجالية البنية الفاتحة المذهبة، والمحرمة ( الحطاطة) البيضاء أو الشماغ المطرز بالخطوط الملونة أو الأسود، كما يلبس الرعاة (الفروة) والمكونة من جلود الخراف الصغيرة، ومكسوة باللون الأسود لتدفئة الجسم، وقد وذكرت العباءة النسائية في الغناء الشعبي الغزلي كأغنية (يا أم العباية) وكذلك العباءة الرجالية المصنوعة في دير الزور(لابس عبا شغل الدير.. تبرج ما بين اكتوفه) وغيرها.!

استهداف الزي الشعبي!

استهدف التراث الشعبي كأحد مكونات الكتلة الثقافية والهوية الوطنية ومنه الزي الشعبي، عبر غزو النمط الاستهلاكي الغربي بالعموم لكل مفردات الحياة اليومية، فمثلاً انتشر اللباس والموضة الغربية خاصة عند الشباب والشابات في المدن، بينما بقي الريف محافظاً نسبياً على الأزياء الشعبية.

كما انتشر اللباس الخليجي نتيجة هجرة أبناء المنطقة للبحث عن عمل،  فانتشرت العباءة الخليجية بين النساء، كما تغير لباس الرجال!

وخلال الأزمة، وخاصةً بعد هيمنة القوى الفاشية التكفيرية «داعش والنصرة» على بعض المناطق فرضت قيود كبيرة على اللباس والزي سواء للرجال والنساء، وأجبرت النساء في بعض المناطق مثلاً على ارتداء ما يسمى (الدرع) الأسود ومنعن من ارتداء الثياب الملونة حتى تحته، وكذلك تغطية وجهها ورأسها بالكامل، ووضعت عقوبات شديدة على المخالفة منها الجلد علناً، أو جلد ولي أمرها مما يؤدي لزرع الخوف لدى الرجال على نسائهم، فيضطرون للخضوع!

الزي الشعبي كأحد مكونات التراث إبداعُ شعبٍ و جزء من الهوية الوطنية يجب التمسك بها والمحافظة عليها في مواجهة القوى المعادية للشعب والوطن.