صورة اللاجئ..  متغيرة «حسب الطلب»!

صورة اللاجئ.. متغيرة «حسب الطلب»!

قد ينج السوريون من رصاص الحرب لدى اجتيازهم حدود البلاد، إلا أن ظروف الكارثة الإنسانية تظل تلاحقهم أينما حلوا. 

 

لا تقتصر مأساتهم على العذاب الجسدي الذي يعانونه في رحيلهم وتنقلاتهم وعبورهم البحار، بل يضاف له عذابات نفسية واجتماعية تمارسها حكومات وإعلام الدول المستقبلة لهم، والتي لا توفر فرصة في توظيف ملف اللجوء لغاياتها السياسية والاقتصادية الخاصة..  

الصورة النمطية

تبدلت الصورة النمطية التي يقدمها الإعلام الغربي عن اللاجئ مرّات عديدة مع تبدل الظرف السياسي ومقتضيات توظيف تلك الصورة في كل مرّة. في خريف العام الماضي تصدرت قضية اللاجئين السوريين وسائل الإعلام، ووظفت في أشكال متعددة ولا تزال العملية جارية، مثلما تصدرت قبلها ملفات أخرى شاشات وصحف وسائل الإعلام ذاتها وجرى توظيفها بالطريقة نفسها بالضبط: القتل والخطف والاعتقال والجوع والمرض والبرد وصولاً إلى المجازر المتبادلة ومن بعدها «داعش» وأشباهها، للضغط باتجاهات سياسية محددة ليس بينها اتجاه الحل السياسي لوقف سلسلة الكوارث المتعاقبة..

متسول- عالة- إرهابي

في تصوير الإعلام الغربي لللاجئين ظهرت النزعة الأورو- مركزية العنصرية واضحة، لتعطي خلال فصول متعاقبة صوراً متعددة عن اللاجئ من وجهة نظر «العالم المتحضر»؛ في البداية اللاجئ ضحية يمكن استقباله في محطة القطار وتقديم الطعام والماء له وكتابة عبارة ترحيبية بالعربية. تالياً يصبح اللاجئ «متسوّلاً» على أعتاب الدول الديمقراطية، ليغدو تأمين «أعبائه» واجباً أخلاقياً يحتدم حوله النقاش بين المتمسّكين بـ«الثوابت الإنسانية» الغربية وبين دعاة النظرة العقلانية البراغماتية التي تحذر من مخاطر إيواء المتطفلين في المنازل، ليتطور الأمر لاحقاً بنحو دراماتيكي فيتحول المتسوّل إلى متطفل ثم إلى متحرش ومكبوت ثم إلى إرهابي..

توزيع أدوار

تتبادل الدول المضيفة للاجئين الأدوار في التعامل مع هذا الملف لوجستياً وسياسياً وإعلامياً. أوربا الغربية على لسان ألمانيا أوالسويد تظهران مرونة في خطابهما تجاه استقبال اللاجئين، لكنهما تسندان مهمة قمعهم وملاحقتهم بالهراوات ومنع عبورهم بالأسلاك الشائكة إلى أوربا «غير المتحضرة»، الشرقية، وتوكل إلى الحكومة التركية مهمة وقف تسربهم عبر البحر وإيوائهم على أراضيها بثلاثة مليارات يورو..

بيروقراطية منظّمة

وفي تصريحات الساسة، لا يتورط الأوربيون الغربيون بأحاديث عنصرية ضد اللاجئين، لكن بيرقراطيتهم المنظمة والوظيفية تفعل ذلك، فقد أصبح السوريون في السويد يعرفون المغزى من إطالة وقت منح الإقامة، أو وضع محققين عنصريين من أصول عربية لمقابلة اللاجئين وتوجيه الإهانات لهم، المطلوب ببساطة فلترة الكم الهائل من الزاحفين إلى أوربا، من سورية وأفغانستان والعديد من الدول الأفريقية الجائعة. ليظهر النموذج الإسكندنافي تراجعاً في قدرته على تأدية دوره التاريخي المعهود، والذي يتمثل بإعادة تدوير «النفايات الاجتماعية» للنظام الرأسمالي وتجميلها، كنتيجة لازدياد الكوارث التي يأتي بها هذا النظام المأزوم في الآونة الأخيرة..

عنصرية فجة

في المقابل لا يجد ساسة أوربا «المتخلفة» غضاضة في إظهار العنصرية بحق اللاجئين ليكونوا بذلك لسان حال اليمين الفاشي برمته في أوربا «المتخلفة» و«المتحضرة»: يخشى رئيس وزراء المجر على الجذور المسيحية لأوربا من الوافدين والحاملين لثقافات أخرى، أما الرئيس التشيكي فيخشى من أن يحرمه الحجاب من الاستمتاع بجمال النساء، أما داوود أوغلو، رئيس الوزراء التركي، فيقول أنه لا يستطيع أن يجعل تركيا معسكراً لاعتقال اللاجئين السوريين، لكنه في التصريح ذاته يرهن الأمر بموافقة أوربا على إلغاء التأشيرة للمواطنين الأتراك.. وبالرغم من أن الأقلام الناعمة لأوربا الغربية تنتقد عنصرية هذا أو ذاك ممن ذُكروا آنفاً إلا أن حكوماتها تجد طريقاً على الدوام لإبرام الاتفاقات معهم لوقف تدفق اللاجئين بالأسلاك الشائكة والهراوات، ولكن خارج «بيتها النظيف»..

غايات واضحة

تختبئ خلف عملية التلاعب بسايكولوجية اللاجئ وتعريضه لمناخات نفسية واجتماعية مختلفة خلال زمن قصير، الكثير من المصالح الفجة للدول التي تستقبلهم على أراضيها، والمغلفة بالعباءات «الإنسانية»، كتطويع اللاجئين من خلال العمليات البيروقراطية الماراتونية لجعلهم يقبلون بأي نمط حياة يفرض عليهم، ومطالبتهم على الدوام بـ«الاندماج» السريع والتماهي قبل أن يصنفوا متحرشين أو إرهابيين، وانتقاء العقول والإمكانيات منهم، وتهيئة اليد العاملة، إضافة إلى تصفية الحسابات بين الدول ذاتها، واستخدام ملف اللجوء في مجريات الحل السياسي لاحقاً، وصولاً إلى وضع الأساس لتفجيرات ثانوية لاحقة في أوربا بين قوى الفاشية الجديدة والمهاجرين.  

معظم الإعلام الغربي استثمر في أزمة اللاجئين، المستثمرون كلهم ناحوا نواحاً صدع رؤوس الناس واستهلك التعاطف العميق مع قضيتهم، ولكن ما من أحد منهم اقترب من الإجابة الصحيحة عن سؤال ما العمل؟ العمل الذي بات مقضياً البدء به، وهو الحل السياسي، بل استمروا في تضخيم الجانب «الإنساني» على حساب حل المسألة حلاً جذرياً حقيقياً، لتحصيل أكبر ما يمكن تحصيله من غنائم الحرب.