«المدينة الأنثى»..
لم تفلح نداءات علماء الآثار حول العالم في وقف عملية التدمير الممنهجة التي تعرضت لها مدينة حلب، في ظل استباحة المواقع الأثرية في المدينة على يد تجار ومهربي الآثار الذين يستبيحون الآثار السورية، مستغلين ظروف الأزمة.
وتعتبر حلب نموذجاً للمدن الشرقية التي توصف في الأدبيات بأنها «المدينة الأنثى»، بعماراتها عبر العصور بما تشكله تلك العمارة من وظائف متنوعة، كالقلعةوالأبواب والأسواق والخانات والجوامع والكنائس والحمامات والبيمارستانات والبيوت الأثرية. كما قدمت حلب في تاريخها تراثاً فكرياً غنياً وكانت أهم محطة تجارية على طريق الحرير الدولي خلال أكثر من ألفي عام.
حلقة «وصل»
تعتبر حلب من أقدم المدن المأهولة في التاريخ، عرفت الاستيطان البشري منذ الألف الحادي عشر قبل الميلاد، من خلال المساكن المكتشفة في (تل القرامل). وهي ملتقى الحضارات منذ الألف الرابع قبل الميلاد، عرفت السومريين، والأكاديين، والعموريين، والبابليين، والحيثيين، والميتانيين، والآشوريين، والكلدانيين، والأخمينيين، والإغريق، والرومان، والبيزنطيين، كما سكنتها مع جوارها القبائل العربية منذ الألف الأولى قبل الميلاد. كما شكلت الحضارة العربية الإسلامية إضافة تكاملت مع الثقافات التي سبقتها.
تعتبرحلب حلقة وصل بين الطرق التجارية التي تربط الشرق بالغرب والشمال، ويذكر أن حلب مثل العديد من المدن التي تعود إلى عصور تاريخية إنما كان العامل الأساسي في بنائها هو التطور التجاري، والعلاقات المتبادلة عبر التاريخ بين الأمم والأقوام التي سكنت شرق المتوسط، ويعود أول ذكر لها إلى ما قبل القرن الخامس والعشرين ق. م في عهد ريموش بن سارغون الأكادي مؤسس الإمبراطورية العربية، وكانت حلب آنذاك مدينة مزدهرة قوية. وتشير بعض المصادر أن باني حلب الأول هو بلوكوش الموصلي أحد ملوك آشور، وثمة آراء أخرى تعيد بناء حلب إلى الحيثيين.
أما قلعة حلب فتعد من كبرى قلاع العالم وأقدمها، وتقع وسط المدينة القديمة، ومرت عليها اثنتا عشرة حضارة، وقد خربت أكثر من مرة وأعيد بناؤها، وهي على هذا الشكل الذي نشاهدها عليه اليوم منذ أيام حكم غازي بن صلاح الدين الأيوبي.
أما الجامع الأموي الكبير، بناه سليمان بن عبدالملك، وفيه ثلاثة أروقة محمولة على دعائم حجرية ضخمة، ويضم الصحن الحوض الكبير، أما مئذنته فهي مربعة، طولها خمسة وأربعون متراً وتزينها المقرنصات والكتابة الكوفية.
أبواب حلب.. وبيوتها!
البيت الحلبي القديم هو روعة في البناء والهندسة، ويتألف عادة من طابقين: الأرضي ويضم عدداً من الغرف التي تواجه الفسحة السماوية للدار، ويؤكد المهتمون بالعمارة: إن جمال البيت الحلبي القديم داخلي فقط، أما من الخارج فهو جدران مصممة بما يتناسب مع الحياة الاجتماعية السائدة.
لمدينة حلب تسعة أبواب بعضها مازال قائماً، وهي (قنسرين، المقام، النيرب، الأحمر، الحديد، النصر، الفرج، الجنان، انطاكية)، تحيط بالمدينة القديمة وتحتوي سوق حلب القديم المعروف بـ«سوق المدينة»، وهو مجموعة من الأسواق المتخصصة المتلاصقة متوازية ومتعامدة، وتضم تسعة وثلاثين سوقاً، يختص كل سوق بنوع من البضائع، ويحمل اسماً يتناسب مع هذا الاختصاص كسوق العطارين، والحبال والذهب، والزرب، ويبلغ طول سوق المدينة حوالي أحد عشر كيلو متراً، ويعتبر من أجمل أسواق مدن الشرق، إذ يمتاز بطابع عمراني جميل، حيث توفر سقوفه الضخمة جواً معتدلاً يحمي من حر الصيف وبرد الشتاء.