ثمة ما يلوح في الأفق!

ثمة ما يلوح في الأفق!

مع كل انعطافة جديدة في مسار الأزمة السورية، يتحلق السوريون حول حلم ينتظرون تحققه بتوق ورغبة عميقة بانتهاء معاناتهم التي طالت ولم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، يترقبون بداية جديدة تنهي عذاباتهم وتأخذهم إلى تغيير حقيقي ينقذ البلاد وينقلها نحو واقع نوعي جديد فعلاً، وليس شكلاً فقط.

كل خطوة يحملها الظرف الموضوعي باتجاه الحل،  كان يرافقها محاولات عديدة من أطراف مختلفة لإجهاض الحل ومنعه من التحول إلى حقيقة وأمر واقع، وفي الحقيقة فإن هذه المحاولات لم تستطع في نهاية المطاف إيقاف الاتجاه العام لموازين القوى الجديدة التي بدأت تأخذ مكانها في الفضاء العالمي وتحل محل القديمة. 

إن أقصى ما يمكن لهذه المحاولات فعله هو العرقلة والتأخير، ليظل ذلك الاتجاه سائراً إلى الأمام بثبات، وإن كان بطيئاً.   

الهزيمة تؤثث للخراب!

تركت تلك المحاولات البائسة، مع ما رافقها من تهليل وتطبيل وتزمير من وسائل الإعلام المختلفة التابعة للأطراف التي أنتجتها، أثراً سلبياً مؤقتاً في وعي الناس الذين لم يعودوا يصدقون أحداً، رغم حاجتهم الملحة للحل، ولوقف الكارثة الإنسانية العميقة والرهيبة التي يعيشونها في تفاصيل حياتهم اليومية، بأشكال كثيرة وعناوين مختلفة يجمعها في نهاية المطاف، الموت.. الموت جوعاً وبرداً وغرقاً ولجوءاً وقهراً، حيث الموت بأشكاله كلها لا يحمل إلا اسماً وصيغة واحدة.

فخلف هذه المحاولات، ثمة من يحاول زرع اليأس والإحباط ونشره وتعميم فكرة عدم جدوى كل محاولات الذهاب إلى حلول حتى وإن كانت ناضجة، وكان ذلك واضحاً بظهور مؤشرات الحل السياسي للأزمة عبر التوافقات الدولية، لتغيب الرؤية وتمتلئ صدور الناس بالخوف من المستقبل.. ثمة من يؤسس للهزيمة في النفوس محاولاً إخلاء نفسه من المسؤولية، تاركاً للهزيمة أن تفعل فعلها.

«قدر».. لا راد له! 

إن أكثر ما يخيف هؤلاء من الحل، هو فكرة التغيير التي يحملها ويتضمنها الحل، رغم أن الأزمة ليست في التغيير وإمكانية تحقيقه، ليست في الفكرة ذاتها، بقدر ما هي أزمة حاملي لوائها. فكرة التغيير في الحقيقة شديدة التحيز وتحركها دوافع المصلحة، مصلحة الغالبية العظمى من السوريين والتي لا تتوافق مع مصالح هؤلاء. وإذ يظهر تأثير هؤلاء على المشهد السياسي المنظور قوياً ولكنه ليس ذا فاعلية مطلقة، إذ يمكن اليوم، حسب المعطيات الجديدة في العالم كله، الحديث عن التغيير بصفته واعتباره قدراً لا راد له. 

تكمن المشكلة في فكرة التغيير في أن الجديد، حتى يكون جديداً يجب أن يكون مختلفاً عن كل ما سبقه، وما كان عليه الأمر من قبل، بينما يميل الوعي الاجتماعي للناس عادة إلى المقارنة مع ما هو ملموس ومعروف سابقاً، ولذلك لا يتمكن هذا الوعي من التقاط الجديد إلا عبر مؤشرات محددة، وعندما تغيب هذه المؤشرات أو يجري إخفاؤها أو تشويهها، تحدث حالة من الارتباك والالتباس التي تسمح أحياناً بالتخبط  والمغالطات، والعيش مع شبح الانتظار الدائم، وفقدان الأمل دون نتيجة. إن الجديد لم يظهر بعد بشكله النهائي المتكامل، بحيث يدفن القديم ويكون بديلاً عنه، لذلك تظهر المساعي المحمومة عند البعض من أجل وأد الجديد، وخنقه من خلال استخدام أدوات متعددة.. 

إرادة الحياة!

إن التحول الجاري في إحداثيات الصراع في سورية وعليها، وظهور مؤشرات جديدة حقيقية لميزان القوى الدولي والإقليمي الناشئ، وتبلورها على الأرض، ستظهر وتوضح المعادلة الحقيقية لجدلية «القديم» و«الجديد»، وسيكون مركز الثقل في التوازنات الجديدة لتلك القوى الوطنية الديمقراطية السورية الجادة في طلبها للتغيير الجذري، والمعبرة فعلاً عن المصالح الاجتماعية للأغلبية الساحقة من السوريين.

 ما يمكن تأكيده هنا، هو حالة الفرز المستمرة التي تخلق اصطفافات نوعية ومختلفة عن تلك الاصطفافات السابقة والقائمة حالياً، ولن تنجح محاولات إقناع السوريين بأنهم سيبقون موضوعاً للتغيرات الدائمة التي يحددها بضعة سياسيين من هذا الطرف أو ذاك، وذلك في استباق على المرحلة القادمة، خاصة بعد أن خلقت الأزمة حالة جديدة، تزداد كثافة وقوة، اسمها إرادة المقاومة والحياة، سيكون فيها لصوت السوريين وقعه وتأثيره في مسارات الأمور جميعها..