بين قوسين: يوم النكبة أيضاً وأيضاً
هل يستدعي الانهماك في «الربيع العربي» نسيان فلسطين؟
لعل هذا ما يحصل اليوم، إذ باتت خريطة فلسطين خارج اهتمامات «أحوال الطقس».
مهما تكن الأسباب، فسنظلّ نتعلّم العدّ، ولن نتوقّف عند الرقم (64) في استذكار ذلك اليوم المشؤوم: يوم النكبة.
في الواقع فإن عبارة «النكبة الفلسطينية» تحمل أكثر من معنى، وعشرات الإحالات الموازية: مصيبة، تهجير، إبعاد قسري، تدمير، طرد، إلغاء، فقدان، لجوء، شتات، منفى، مخيّم، مجازر، مذابح، إبادة. مهما تكن التسمية فإن ما حدث للشعب الفلسطيني في 15 أيار (1948)، يدخل في باب الخزي.
لا تكفي هذه الإحالات لوصف المشهد، لعل إدوارد سعيد قارب «المسألة الفلسطينية» على نحو أكثر دقة، لإقناع الرأي العام العالمي بعدالة قضية لا تزال بلا حلّ، منذ أربعة وستين عاماً، حين قال: «ما هو هولوكست لليهود، هو النكبة للفلسطينيين»، وهو بذلك أحدث انقلاباً في وعي النكبة، حين أخرجه من التاريخ الخاص والمحلي، ووضعه في صلب تاريخ العالم.
صاحب «خارج المكان»، اكتشف باكراً أهمية الصورة والوثيقة في إجلاء حقيقة النكبة، حين تساءل: هل للصور الفوتوغرافية بالأسود والأبيض الآتية من الهامش المستلب أن تواجه صور المركز الإمبريالي؟
لم يتلكأ طويلاً في البحث عن الإجابة، فقام بمساعدة عدسة «جين مور» التي التقطت صوراً من فلسطين ومخيمات اللاجئين بإقامة معرض في أروقة الأمم المتحدة، في ذكرى النكبة قبل نحو عقدين من الزمن، بعنوان مستوحى من قصيدة لمحمود درويش «ما بعد السماء الأخيرة». أراد إدوارد سعيد أن تكون الصورة دليلاً على شيء نسمع عنه. الصورة بوصفها وثيقة على خزي ما صنعه الآخر.
في تعليقاته على الصور كان إدوارد سعيد يشتغل على سردٍ مضاد لسرديات المركز التكنولوجية المتقدمة، وإثبات «أن الضحايا لها صور، ولها صوت، وهي مستمرة في المقاومة بإصرار وبلغة المركز».
إدوارد سعيد أحدث هزة ضمير أخرى، حين أصدر مذكراته «خارج المكان» التي استعاد خلالها طفولته في القدس، وعبوره القاهرة ، وبيروت إلى أمريكا. الفلسطيني التائه الذي وقف عند سياج بيته في القدس دون أن يدخله، هو أيضاً الفلسطيني متعدد الهويات الذي عاد إلى بلده الأصلي بجواز سفر أمريكي !
لا تكفي عبارة «طمس الهوية الفلسطينية» ولا مئات الوثائق والقصائد والخطابات، للتعبير عن ذلك العار الذي حدث قبل أربعة وستين عاماً، لكن الصورة تنطق ببعض ما حدث آنذاك، وما زال يحدث إلى اليوم، بمزيد من العنف والقسوة، ذلك أن «يوم الاستقلال»، كما يسميه العدو، يعني ببساطة بداية إبادة شعب في وضح النهار، وعلى مرأى من الضمير العالمي النائم!