«بلدي حور.. في وشاح أحمر»

«بلدي حور.. في وشاح أحمر»

يصنع المجتمع فنه وثقافته التي تروي مطامح الجمهرة الكبيرة كما تروي حاجاتها الفنية والفكرية المكتوب لها أن تسود. ربما لهذا السبب، ثمة دور هام يجب أن يكون في عملية تربية الإنسان قد تصل أحياناً إلى المبادئ وحتى قواعد السلوك عن طريق الفن السينمائي.

لا نستطيع أن نقول إن كان هناك سينما واحدة في قرغيزيا، كان هناك نوعان من السينما: النوع الأول بدأ منذ أول فيلم عام 1895 عندما كانت السينما ملكية خاصة وحكراً على فئات محددة، والنوع الثاني بدأت ملامحه بالظهور بعد 1917 وتبلور بشكل كامل عشية النضال ضد الفاشية عام 1940 عندما أصبحت السينما لسان حال الشعب. 

حتى اليوم يستمر حضور جنكيز ايتماتوف كرمز وطني وثقافي رئيسي في الرواية والسينما وحتى في بعض المطبوعات التي تخص الشيوعيين حالياً، ومن وراء السينما الاستهلاكية المبتذلة التي سادت أكثر من 25 سنة، بدأت ملامح السينما القرغيزية الجديدة بالظهور عن طريق إنتاج أولى المسلسلات الثلاثية عن المقاتلين القرغيز الذي سقطوا في النضال ضد الفاشية في المناطق الغربية من الاتحاد السوفييتي مثل أوكرانيا ومولدافيا والبلطيق، والذي يبدو أنه المعادل الثقافي السينمائي الأولي للاتحاد الأوراسي.

سينما «الناس البسطاء»! 

كان ظهور الفيلم السينمائي «قرغيزيا السوفييتية» عام 1940 مخصصاً لاستخدام الرموز القومية القرغيزية من أجل النضال ضد الفاشية، أنتجت في الفترة ما بين 1943 – 1953 عشرات الأفلام السينمائية والوثائقية عن الحرب الوطنية العظمى وبناء الاشتراكية، توجت هذه الأفلام بظهور أول فيلم روائي قرغيزي عام 1957 من إخراج «آي.كوبزيفوم» استناداً إلى قصيدة في الكوميديا الرومنسية للشاعرة الوطنية كومباييفا بعنوان «اعترافات».

يجري إعداد تلك الأفلام وانتقاء قصص السيناريو من حياة الناس اليومية مباشرة وحكاياتهم وانطباعاتهم وأفكارهم، ثم تضاف إليها الرموز الشعبية والصور الأدبية والجمالية لتخاطب هذه اللقطات قلوب الناس وعقولهم، وعلى أساس ذلك حقق فيلم «فتاة من تيان شان» انتشاراً واسعاً كتب له السيناريو الشاعر ساتيلغانوف من مؤسسي الأدب القرغيزي.

وفي عام 1960 عرض فيلم «أسطورة القلب الجليدي»، وقصته مستوحاة من أسطورة قرغيزية قديمة عن قصص الحب والعشق في السهوب القرغيزية. وبعد ذلك أنتجت أفلام من وحي التراث القرغيزي مثل: نجمة الصباح، بعيداً في الجبال، القرمزي، آلما الحمراء وغيرها.

 العامل الزراعي.. «الأديب»! 

ولد جنكيز إيتماتوف عام 1928 في قرية «آيلي شيكر» في قرغيزستان وتحت تأثير تربية الأسرة وطفولته هناك، غاص في أعماق الثقافة الروسية واللغة والأدب الروسي. تشبع ايتماتوف الروح الوطنية وهو صغير وبخاصة أثناء الحرب الوطنية العظمى «1941 – 1945» والنضال ضد الفاشية وشارك رغم صغر سنه في حل أعقد المسائل في قريته الكبيرة حينها.

التحق بالمعهد الزراعي وتم قبوله دون فحص بسبب خبرته في العمل الزراعي وشؤون الفلاحين في القرية، وكان خلال سنوات الدراسة يكتب المذكرات والمقالات وينشرها في الصحف ،وعمل بعد التخرج كأخصائي في «تربية الماشية»، وراستمر في الكتابة أيضاً حيث صقلت مهارات الإبداع عنده أثناء العمل.

في عام 1956 جاء إلى موسكو للدراسة في دورات الأدب العالمي التي قدمت له الكثير من المعارف فعاد إلى قرغيزستان وأصبح رئيس تحرير جريدة «قرغيزستان الأدبية» كما أصبح مراسلاً لصحيفة «البرافدا» في بشكيك لمدة خمس سنوات. 

جلبت له قصته «جميلة» التي كتبها عام 1958 الشهرة، وحاز كتابه «حكايا من الجبال والسهوب» جائزة لينين عام 1963، وفي عام 1961 جاءت قصة « بلدي حور في وشاح أحمر» وأعقب ذلك رواية المعلم الأول وحقل الأم،  ثم روايته الشهيرة «وداعاً يا غوليساري» والسفينة البيضاء وغيرها. 

أما أول رواية كتبها إيتماتوف فقد كانت بعنوان «القرن يستمر لفترة أطول من يوم واحد» المنشورة عام 1980 وفي عام 1988 نشر روايته الشهيرة السقالة.

إلى جانب عمله الأدبي، عمل إيتماتوف في السلك الدبلوماسي كسفير الاتحاد السوفييتي في لوكسمبورغ، توفي في 10 حزيران 2008 في مدينة نورنبرغ ودفن يوم 14 حزيران في مجمع النصب التذكارية التاريخية في ضواحي العاصمة بشكيك.

 

صورة الأم  في «ممر صعب»

 تحولت معظم قصص وروايات إيتماتوف إلى أفلام سينمائية روائية منها: (المعلم الأول، جورا، جميلة، ممر صعب).

ما يلفت الانتباه في فيلم «ممر صعب» هي المشاهد والصور الأولى: رجل في الجبل الشاهق يطل على الثلوج الخالدة والصخور الرهيبة والأنهار الجارفة. سيخطو خطوته الأولى بعد لحظة في الطريق المؤدية إلى حياة جديدة.

لقد غادر القرغيزي الشاب «موكرش» قريته الجبلبة وأمه التي لا تقبل التعزية بعد أن أعمتها الدموع كي يجد الطريق التي تؤدي به إلى السعادة في هذا العالم الواسع القاسي، هكذا تجري حركة الفيلم الهادئة باتساع ظاهر راسمة صورة قرغيزيا خلال الفترة السابقة للثورة من خلال آلام الناس البسطاء.

آخر تعديل على الأحد, 31 كانون2/يناير 2016 00:01