فلسطين في كتاب ألماني جديد

كثيرة هي الكتب الألمانية المهتمة برصد تفاصيل القضية الفلسطينية منذ اندلاع شرارتها الأولى وإلى اليوم، فما تقدمه دور النشر الألمانية على ذلك الصعيد سنوياً، لا تجاريه، عدداً على الأقل، إصدارات مراكز النشر الشهيرة في لندن أو باريس مثلاً، وهو الأمر الذي يمكن تأكيد صحته ببساطة، عند مراجعة الإحصائيات والأرقام المنشورة بانتظام حول هذا الموضوع.

ليس غريباً، والحال هذه، أن تجيء الكتب الأكثر تميزاً حول التراجيديا الفلسطينية، من قلب المنطقة الألمانية عموماً: (سويسرا، النمسا، ألمانيا)، وألمانيا على وجه الخصوص، فإلى جانب الدقة المتناهية التي يتمتع بها الكتاب والباحثون هناك: يعثر قارئ اللغة الألمانية، في أغلب الأحيان، على رؤية إنسانية عميقة وغير محايدة لتلك التراجيديا، إنها الرؤية التي لا تعتمد ما هو سائد من مفاهيم سياسية وأخرى ثقافية، رسمية الطابع، في العالم الغربي، ولا تساوي، بكل الأحوال، بين الجلاد الإسرائيلي وضحيته الفلسطينية.

إلى عائلة الكتب المميزة تلك ينتمي كتاب «فلسطين، التطهير العرقي والمقاومة» الصادر مؤخراً عن دار النشر الألمانية «زامبون» في فرانكفورت، وهو عبارة عن جزء خامس من سلسلة شهيرة تحمل العنوان الصادم: «جرائم ضد الإنسانية».

وكانت الأجزاء الأربعة الأولى من السلسلة قد ظهرت تباعاً، وعلى النحو التالي: أوشفيتز، هيروشيما، فيتنام، أميركا اللاتينية، أما اليوم «فالعذابات الفلسطينية هي موضوع هذا الجزء من السلسلة»، كما تقول المقدمة التي وضعتها الدار المذكورة للتعريف بكتابها: «كان يجدر بنا لأسباب تاريخية، وأخرى إنسانية خالصة، أن نفتتح سلسلة جرائم ضد الإنسانية هذه بكتاب عن القضية الفلسطينية أولا، ولكن الرغبة بمخاطبة شريحة واسعة من قراء الألمانية، جعلتنا نؤجل هذا الإصدار إلى هذه السنة، بعد أن حققت سلسلتنا حضوراً جيدا يضمن انتشار الفكرة، ويزيد بالتالي من أعداد العارفين بالجوانب الحقيقية لهذه المأساة الفلسطينية المتواصلة منذ عقود عديدة، وهي جوانب مغيبة تماماً عن وعي الجمهور الغربي الغارق في أكاذيب وسائل الإعلام، والمستسلم تماماً للرعب الذي تخلقه تهمة معاداة السامية الواقفة دائماً في المرصاد، إنه الرعب الذي يجعلنا نبتعد بعيدا عن الحقيقة، ويساهم في تعميق خشيتنا من توجيه اللوم لإسرائيل، في وقت يجدر بنا أن ندينها بحق».

يحتوي «فلسطين، التطهير العرقي والمقاومة» على عدة فصول وعناوين مختلفة يناقش كل منها موضوعه البحثي الخاص، كما يحمل اسم مؤلفه الخاص أيضا، فالكتاب (262 صفحة من القطع الوسط) عبارة عن عشرة نصوص لعشرة مؤلفين أوكلت دار النشر إليهم مهمة تسليط الضوء على مواضيع مختلفة، تمس بمجملها، جوهر القضية الفلسطينية وتعمل على تشريح مكوناتها، فقد ضم العمل، على سبيل المثال لا الحصر، فصلا خاصا بالسياسة العنصرية لإسرائيل «الاحتلال هو جريمة ضد الإنسانية»، وآخر حول «مصادرة الأراضي وقطع الأشجار»، إضافة إلى «التهجير، محاولة إلغاء الفلسطيني»، إلى جانب العديد من المواضيع المؤثرة الأخرى التي تمت دراستها بعناية وحرص كبيرين، نذكر منها: «التطهير العرقي وإسرائيل» و«سلام أم احتلال»، إلى آخر الفصول الشيقة والهامة.

وتجدر الإشارة هنا، إلى أن النص الافتتاحي للكتاب هو للناشط الايطالي فيتوريو أريغوني، الذي فقد حياته بطريقة وحشية تماما أثناء تواجده في غزة يوم الخامس عشر من نيسان 2011.

وقد جاء نص فيتوريو حاملاً، كما كان صاحبه دوماً، للكثير والجميل من أفكار التسامح والتعاون الضروري بين البشر، كما العمل، على إدانة الكارثة التي يخلقها الاحتلال الإسرائيلي ولا ينتج غيرها، ولعل الحقيقة الأخيرة هذه، هي الواقفة وبجدارة خلف المواضيع التي تناولتها فصول الكتاب، فلا شيء أكثر «أهمية في عصرنا من العمل على رد الاعتبار للشعب الفلسطيني» ولا شيء، تضيف المقدمة، «أكثر وضوحا من حقيقة أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو جريمة وقحة ضد الإنسانية.. لهذا عملنا على إصدار هذا الكتاب».