!في خدمة الظلامية
لماذا تجاهر التنظيمات التكفيرية بجذرها الفكري الذي تستند إليه..؟ ولماذا لا تخفي ممارساتها الوحشية الفاشية الدموية، وتُسخر لها دعاية إعلامية كبيرة، على عكس ما يفعل المجرمون عادة في إخفاء جرائمهم وآثارها؟
من خلال عودة سريعة للتاريخ نلاحظ أن «الإخوان المسلمين» كتنظيم ديني نشأ في بدايات القرن الماضي، وانتشاره في المنطقة، كان عبر تنظيمه الدولي، ويعتبر المفرخة التي أنتجت معظم التنظيمات التكفيرية الحالية.
ترافقت هذه النشأة مع نشوء وصعود النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، كممثل لرأسمال المالي الفاشي في مواجهة قوى السلم والحرية في العالم، وخاصة بعد انتصار ثورة أكتوبر في روسيا، إذ كشفت هذه الأخيرة نهب قوى رأس المال العالمي والتآمر الاستعماري اتجاه شعوب المنطقة والعالم التي كانت تنزع للحرية والسلام واستعادة حقوقها في ثرواتها، وقد تسببت النازية في الحرب العالمية الثانية التي ذهب ضحيتها أكثر من خمسين مليوناً من البشر فضلاً عن الخراب والدمار.
مهمات وأدوار جديدة
ظهرت مجدداً في أوربا التنظيمات النازية الجديدة من حليقي الرؤوس وغيرهم الكثير «القطاع الأيمن في أوكرانيا»، أما في الشرق فبرزت تنظيمات عديدة كـ«جماعة التكفير والهجرة في مصر، تنظيم القاعدة في أفغانستان، ما يسمى جبهة النصرة وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المتفرعان عن القاعدة، إضافة إلى تنظيمات أخرى كجيش الإسلام، وأحرار الشام» وغيرها.
وترافق ظهور الفاشية الجديدة والتنظيمات التكفيرية مع انهيار نظام القطبية الثنائية، وفشل القطبية الأحادية في الهيمنة رغم محاولات التنظير لها كلها سواء بفكرة نهاية التاريخ، أو صراع الحضارات الهادفة لحرف الصراع عن جوهره الحقيقي. لقد أوكلت مهمة (إشعال الحروب) للتنظيمات التكفيرية في منطقتنا، وهو الدور ذاته الذي لعبته النازية والفاشية في أوربا.
في خدمة الإرهاب
مهما كان الجذر الفكري لتلك التنظيمات الذي قامت عليه سواء كان عرقياً أو دينياً أو طائفياً فإنها اشتركت بعدة سمات، منها مسميات التنظيمات وألقاب قادتها وتسمية عملياتها، والخطاب الاستعلائي واستخدام الرموز والإشارات بدءاً من الراية السوداء ووصولاً إلى الزي واللباس، وتوظيف ما يناسبها من الخطاب الديني وما يتوافق شكلاً مع ممارساتها.
أما المجاهرة بممارساتها الوحشية والدموية الفاشية التي طالت البشر والحجر، من قطعٍ الرؤوس والصلب والحرق وسبي النساء وقتل الأطفال وتحطيم التراث الحضاري.. وممارسات أخرى عديدة، فقد كان عبر استخدام أحدث العلوم كالبرمجة العصبية اللغوية، ووسائل الإعلام العالمية المتنوعة المستندة إلى أحدث التكنولوجيا والإخراج السينمائي ووسائل التأثير المتنوعة في الصوت والصورة واللون وغيرها..
فهل كل ذلك لنشر الرعب والخوف فقط.. كما فسره البعض بهذه البساطة؟
«إرث حضاري.. مستمر»
إن الهدف من التمترس خلف المقدس برموزه المختلفة والنص الديني المؤول هو تحطيم «البنية الثقافية» لشعوب ومجتمعات المنطقة التي أنتجتها خلال سيرورتها التاريخية وبتضحياتها فامتزجت بعرق ودم أبنائها، وهي قائمة على إرثٍ حضاري متلاقح يمتد لآلاف السنين إذا لم نقل منذ ظهور الإنسان ووعيه لوجوده، كما تستند هذه البنية لعلاقات تاريخية قائمة على قيم العمل والتعاون والعدالة والمساواة والإخاء والتسامح بين الشعوب والأديان، وعادات وتقاليد متشابهة في الزي والفرح والحزن وغيرها من الصلات والروابط الاجتماعية.
وبالإضافة إلى ذلك محاولة «التلاعب بالوعي» لتفتيت هذه الشعوب والمجتمعات عبر «الفوضى الخلاقة»، وإشعال حرائق وحروب بينية دينية وطائفية وقومية وعشائرية يمكن لها أن تمتد لعشرات السنين، كما فعلوا في تحطيم الآثار والتماثيل، بل وحتى محاولات تحطيم أبسط خليةٍ في المجتمعات وهي الأسرة، فنلاحظ ابنا يقطع رأس أمه، وأبا يرجم ابنته، بما يتناقض مع قيم المجتمع، وذلك كله لحرف الصراع عن جوهره.
إعادة قراءة التراث
من إحدى المهام الضرورية في مواجهة القوى التكفيرية فكرياً، إعادة قراءة التراث والديني منه خصوصاَ، والكشف عن الجوانب الإيجابية فيه والتي تحمل عناصر استمراريتها، وكشف التزوير فيه والتفريق بين الصفحات المعتمة والصفحات النيرة أي بين تراث العامة ومن عبّر عن أحاسيسهم ومشاعرهم وآرائهم وبين تراث النخب التي تصارعت على الثروة والسلطة.