الأدب الصهيوني والنزعات العدوانية 2/2
حسام زيدان حسام زيدان

الأدب الصهيوني والنزعات العدوانية 2/2

بعد قيام الكيان الصهيوني على نكبة أهلنا في فلسطين، كان لا بد من استحداث أدب موازٍ لتلك الجريمة، ويكون مركباً من الخرافة والأكاذيب التاريخية والمغالطات الفاضحة في المنطق والحقيقة والوقائع، إلا أن ما يسمى الأدب الصهيوني استطاع تقديم ذلك كمبررات مقبولة لدى العالم الغربي

 وحقق في هذا نجاحا أكثر مما حققته الجهود السياسية في تقديم الأسانيد التي ارتكزت عليها الفكرة الصهيونية لتحقيق هذه الغاية، هذا ما أكده الباحث طه ياسين علوان الطربولي الرفاعي، في رسالته وسائل التضليل في الأدب العبري الحديث، وعلى سبيل المثال فقد أحدثت روايات وكتابات «بنسكر»، وهو «يهوذا لايب ليو بنسكر» ولد في 1821 وكان أبوه من علماء عصر المتنورين «عصر الهسكالاه» مارس الطب في أوديسة، وخدم كضابط طبيب في حرب القرم، بدأ منذ عام 1860 يولي الشؤون اليهودية اهتماما بارزا فراح يكتب المقالات ويقوم بنشاط فعال في «جمعية نشر الثقافة بين يهود روسية»، سافر إلى أوربا عام 1881 لنشر أفكاره حول ضرورة تركيز اليهود في إقامة دولة قومية، وعند عودته إلى روسيا عام 1882 نشر مخطوطه «التحرر الذاتي»، وهو نداء من يهودي روسي إلى بني قومه دعاهم لمساعدة أنفسهم والعمل على التحلي بذلك الوعي، وهرتزل مؤسس الصهيونية السياسية الحديثة، والذي ولد في بودابست في عام 1860، وأحاد هاعام هو أشير تسفي كزنبرك، من أهم مفكري الصهيونية في مراحلها 37 – 38 عكف في مقالاته «في مفترق الطرق» على تحليل اتجاهات الحركة القومية اليهودية ودعا إلى إقامة مركز روحي يهودي في فلسطين... من مقالاته «موسى».

ونكتشف من خلال دراستنا لما يسمى بالأدب العبري، أنه  ليس أدبا إنسانيا بمعنى انتمائه الطبيعي والحر لتاريخ الأدب في حركة التاريخ، والذي تنتجه مجتمعات قائمة لها تاريخها ومسارها الحضاري وتراكمها في الذاكرة الجمعية الإنسانية، بل هو أدب يضع نفسه وحوله شروطا مسبقة تعزله وتحدده ضمن إطار ضيق متعصب، ضمن ظاهرة لها صفاتها العرقية والمعادية للتاريخ، وصفاتها الاجتماعية النابعة من تزييف تجمع ملفق يجري حقنه باستمرار بمجموعات بشرية ذات انتماءات مختلفة، ومتنافرة باختلاف البلدان التي قدمت منها، فلا جامع لها أو محدد لأصولها، لذلك كان الأدب العبري عند نشأته يفتقر إلى قاعدة اجتماعية يركن إليها ويعبر عن طموحاتها ومشكلاتها، ولذلك لجأ الكتاب العبريون المتشبعون بالفكر الصهيوني، في معظم الأحيان إلى الاقتباس أو الترجمة من الآداب الأوربية، أو إلى معالجة قضايا تاريخية ودينية، كما ذكر علي عبد الرحمن، في كتابه القصة العبرية المعاصرة بين الحلم الإسرائيلي والكابوس الصليبي.

واستمر هذا النهج سائدا لحين ظهور الحركة الصهيونية، فتحول الأدب العبري إلى الانشغال بالتوجهات العقائدية الصهيونية، وقد أثر هذا التحول على النواحي الفنية والأدبية للعملية الإبداعية، وأفقدها الكثير من سماتها الإنسانية وتأثيراتها الوجدانية، ورغم أن المركز العبري في فلسطين لم ينشط سوى في عشرينيات القرن الماضي على أيدي أدباء معروفين من اليهود المهاجرين من روسيا وأيرلندا، كما ذكرت الموسوعة العبرية، في المجلد 25 صفحة 987،  فمهدوا للفكر الاشتراكي والشيوعي، الذي كان يدعو في أيديولوجياته وطروحاته في تلك الفترة إلى تغليب المشاعر الإنسانية على التطلعات العرقية والعنصرية، إلا أن هؤلاء الكتاب تخّلوا عن تلك الأفكار التي سبق أن اعتنقوها أو تناسوها، وبدلا من ذلك تبّنوا مبادئ الحركة الصهيونية.

وتسود بين الأجيال التي عاشت في فلسطين، فوارق ثقافية وفلسفية مهمة، بحيث تأثر أبناء الجيل الأول بشكل رئيس بالأدب الأوروبي المترجم وفلسفته، بالإضافة إلى الأدب العبري الذي كانت بداياته الأولى قد تشكلت في تلك الفترة، وتأثر أبناء الجيل الثاني بالأدب الأوربي المعاصر، والأدب الأمريكي على حد سواء، بينما تأثر الجيل الثالث بالجيل الثاني وبالتأثيرات الأوروبية الأمريكية والأمريكية الجنوبية المختلفة، ومنها أدب ماركيز بصورة خاصة، كما أن هذه الأجيال الثلاثة تختلف في نظرتها إلى اللغة العبرية، حيث كان أبناء الجيل الأول يكتبون بأسلوب راق رغم كونهم أول من كون اللغة العبرية الدارجة فيما مر أبناء الجيل الثاني بمراحل الدمج بين اللغة المحكية واللغة المكتوبة، أما الجيل الثالث فيعمد بعضه إلى تقريب لغة الأدب من اللغة الدارجة، ويتسم الجيل الأول بميسم الواقعية فيما ُتميز الحداثة الجيل الثاني، أما الجيل الأخير فيلاحظ ميله إلى الرواية الجديدة والى مرحلة ما بعد الحداثة. وعن طبيعة التحولات الحاصلة في مجال هيمنة الأنواع الأدبية على الأدب العبري. وفلسفته يقول جرشون شيكيد: كان الشعر هو المهيمن إبان الثلاثينيات، في حين انتقلت الهيمنة إلى القصص في الأربعينيات والخمسينيات، وكانت هناك ثورة للشعر في أوائل الخمسينيات وتحقق نوع من السيطرة للقصة ابتداء من الستينيات، ونشأت هيمنة القصة بالدرجة الأولى عن الحاجة الاجتماعية إلى صياغة أهداف تحدد فلسفة الإنسان وصورته في أطر سياقات اجتماعية ديناميكية متغيرة، ومن خلال متابعة أي باحث لوجهات النظر الأدبية العبرية وما عبر عنه الأدباء، والكتاب العبريون من أفكار وأراء حول التحولات في الأدب العبري وفلسفته وأغراضه واتجاهاته، وجد أن معظم هؤلاء الأدباء والنقاد يتفقون في الرأي مع وجهة نظر الأديب والناقد جرشون شيكيد، ومن هؤلاء الأدباء عنات فاينبرغ، صاحبة نظرة إلى الأدب العبري المعاصر بين أدب قومي وأدب إنساني عام، وأنطولوجيا من الأدب العبري المترجم إلى اللغة العربية، حيث تؤكد هيمنة القصة في الأربعينيات والخمسينيات فتقول: وفي الأربعينيات بدأ الأدباء بنشر إبداعاتهم النثرية، وصياغة صورة اليهودي الجديد، وفي الخمسينيات شكلت قصص وروايات، عدد من الأدباء البارزين أمثال موشيه شامير ويزهار، انعطافا في كتابة أبناء هذا الجيل.